top of page
  • روان بدر

ما يضيع في الترجمة



أذكر المرة الأولى التي قرأت فيها "تاجر البندقية" وأذكر جيدًا أن الانطباع الوحيد الذي ولدته هذه المسرحية فيّ وقتها هو الاستغراب؛ كنت أتساءل: أهذا هو الشاعر العظيم الذي تُرجمتْ أعماله إلى كل اللغات الحية! لم أفهم حينها كيف لعمل ينال تقديرا عالميا أن يبدو بهذه التافهة لمراهقة في السابعة عشر من عمرها. هذا هو الأمر المحير الذي عرفت سببه بعد سنوات عندما قرأت ترجمات مختلفة لقصيدته الشهيرة "هل أقارنك بيوم صيفي".

إذا ما الذي حدث بالضبط؟

عند قراءة نص مترجم - أدبي أو غير أدبي - فإن أول سؤال يراودنا: هل هذا النص يوازي جودة النص الاصلي؟ هذا التساؤل الذي يزداد إلحاحا عندما نقرأ النص ذاته في ترجمة مختلفة. هل الانطباع الذي تركه هذا النص فيّ كقارئ هو ذاته الذي شعر به القارئ للنص الأصلي قبل ترجمته؟ ماهي الترجمة الجيدة؟ أهي تلك التي تلتزم بنقل النص كلمه بكلمة، أم تلك التي يغير فيها المترجم ما بدا له ليوصل لنا المعنى؟
هذه الاسئلة وغيرها هي ما يجعلنا بحاجة لنقد الترجمة. إن نقد الترجمة لا يقتصر على مراجعة الشكل النهائي للنص المترجم ومعرفة هل يبدو النص في لغته الجديدة متناسقا، بل هي دراسة تحليلية كاملة تسلط الضوء على العملية الدقيقة لنقل معنى ما من لغته الأصل إلى لغة أخرى، وما يرافق هذه العملية من نقل للسياق الثقافي والتاريخي وأسلوب الكاتب ودلالات النص بمقارنته بالنص الأصلي وبترجمات أخرى، وذلك لنعرف هل النص الذي يصلنا في النهاية هو ذاته النص الذي قد يكتبه الكاتب بنفسه لو أنه كتبه باللغة المستهدفة. وعلى الرغم من أن النقد غالبا ما يتناول الجوانب السلبية في عمل ما، فإن نقد الترجمة يهدف في النهاية لتحديد كل من الجيد والسيء في العمل. كما يهدف لتحديد ما نعنيه عندما نصف عملا ما بأنه "سيء" أو "جيد".
لكن هل بإمكاننا حقا أن ننقل الصورة المثالية للعمل المترجم كما يبدو في شكله الأصلي؟ هل بإمكاننا أن نعطي الانطباع نفسه في لغتين مختلفتين دون أن نخون الكاتب الأول؟ كيف لنا أن نحدد الطريقة الأمثل للنقد في ظل وجود نظريات عديدة للترجمة؟ قد تكون هذه بعض التحديات التي ما تزال تواجهنا في نقد الترجمة.
تقول الناقدة غاياتري سبيفاك (Gayatri Spivak): "اللغة تتلاعب بنا في الوقت الذي نظن فيه أننا نسيطر عليها". لذا قد تكون الخطوة الأولى للوصول إلى ترجمة مثالية هي أن نفهم الطريقة المثلى لعمل اللغة لنتمكن من نقلها في شكلها الأمثل.

٦٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page