top of page
  • أمجاد الراجح

الترجمة.. ابنتي


تُدخلني الترجمة في حالة من التركيز تشبه غزل الصوف لخياطة كنزة جميلة، تجعلني أنسى نفسي والعالم الذي حولي لأنخرط فيها بشغف وأقضي الساعات الطوال دون أي أدنى اهتمام بما يحدث حولي.


فعندما أترجم أتغلب على المشكلات بشتى أشكالها، أتحدى نفسي وقدراتي حتى أصل إلى الحل. عندما أترجم لا أتصادم مع أشخاص أو آراء؛ العالم الذي أدخله في الترجمة يكون فيه الحوار بيني والكاتب، يشاغبني وأداعب قلمه، حتى نصل في النهاية إلى أحد الأمرّين: يهزمني أو أهزمه. وقد أتقمص شخصيته، أعيش معاناته، أشعر بآلامه، أحزن لحزنه، وأفرح لفرحه، قد يستنزف مشاعري ويستهلك إحساسي، يبكيني ويضحكني. وعندما أصل إلى نقطة النهاية وأنتهي من الترجمة، تغمرني تلك النشوة، نشوة السعادة، سعادة لبنى حين التقت بقيس قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، سعادة أرخميدس عندما خرج يصرخ ايوريكا ايوريكا، سعادة كولومبس حين وصل إلى جزر الهند الشرقية. تشبيهات متناقضة لمشاعر متناقضة.


وبعدها أعود إلى ترجمتي، إلى صفحاتي، إلى بنات أفكاري. هي فعلًا ابنتي، ابنتي التي أنجبتها بعد مخاض طويل وسهر طويل، وحين أُمسك بها للمرة الأولى تخونني الكلمات، يشل لساني عن التعبير، أتفقدها بعناية، أتفحصها بحرص، فعندما أُترجم لا أشعر بأي ضغط، ولكن بعد أن أنتهي من الترجمة تبدأ رحلة الخوف، لا أريد أن تتعرض للانتقاد، قد أقسوا عليها، وما أنفك عن العودة إليها رغبة في تحسينها لتطل بأبهى حلة أودّ بشدة أن أحميها من النقاد المتصيدين المسلحين بألسنتهم اللاذعة وأقلامهم التي لها ولي بالمرصاد، رفقًا بابنتي.


٣٧٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page