- أمجاد الراجح
ترجمة الشعر

يقول جوزيه ساراماغو في انقطاعات الموت: “لكنها جميلة بصورة غير محددة، كبيت شعر يفلت معناه من مترجم”. يعد هذا الاقتباس من أبرز الاقتباسات التي لا تغيب عن ذهني، فهو مترع بالمعاني المعبرة، تشبيه أبدع في توظيفه. إذ تُعد ترجمة الشعر من أصعب أنواع الترجمة وأكثرها تحديًا وجماليةً وتتطلب إبداعًا منقطع النظير. فما إن تقع عين المترجم على قصيدة ويتخذ قراره بترجمتها إلا ويدخل في عالم عذب يعج بالتحديات، ويجد نفسه بين خيارين أحلاهما مُر “الجميلات الخائنات” و”الوفيات القبيحات، منذ البداية يشعر المترجم أن وقوعه في الخيانة قادم لا محالة.
وحين يبدأ المترجم فعليًا بترجمة الشعر لا يُترجم بين لغتين فحسب وإنما بين ثقافتين تصاحبهما معاناته، فيشعُر بما يشعُر الشاعر، يتألم كما يتألم، ويفرح كما يفرح ليُصبح قادرًا على نقله كما قرأها وتلقّاها.
وما إن ينهي ترجمته إلا ويجد نفسه وقع في الخيانة، مهما حاول أن يكون أمينًا، يجد أنه أصبح خائنًا، حتى يصل إلى تلك الحالة التي وصل إليها المترجم الكبير ماجد الحيدر حين أغراه شيطان الشعر وصرخ: “مالي ومالكَ أيها القاموس! إن هذه القصيدة قصيدتي! نعم قصيدتي وسأكتبها كما أشاء!”.
إن هذا الصراع يأتي بسبب أن المترجم يتحمل وزر القصيدة لوحده، فإما أن تكون جميلة خائنة فيستمتع بها المُتلقي وينكب على قراءتها، وإما أن تكون وفية قبيحة، فيبتعد عنها ويُدبر.
ختامًا تظل ترجمة الشعر لذة ومغامرة محفوفة بالمخاطر وهي مركبنا للوصول إلى عالم ملؤه الإبداع مهما حركته الرياح، ولو كانت خيانة فإنها خيانة تستحق المديح.