top of page
  • بشاير الزهراني

التحريف الخفيّ في الترجمة (الجزء الثاني)



هذه المقالة تتبع الجزء الأول منها، في الحديث عن الميولات التحريفية التي تعترض المترجم مما يؤدي لترجمة تحويلية تشوّه النص الأصل وتغير نسقه وبناءه. ونستند في ذكرها على كتاب (الترجمة والحرف أو مقام البعد - أنطوان برمان). ذُكر في المقالة الأولى بعض الميولات التحريفية: العقلنة، التوضيح، التطويل، التفخيم، الاختصار الكيفي والكمي، وهنا بقيّتها. وليست هذه الميولات منفصلة عن بعضها، لأنها في غالبها تدور حول بعضها ويؤدي استخدام أحدها لاستخدام الآخر.

٧- المجانسة

هي كما يقول برمان: "تتمثل في توحيد نسيج الأصل على كل المستويات، علمًا بأن هذا النسيج متنوع أصليًا." وهي نتيجة طبيعية للاختصار الكيفي والكمي.

٨- هدم الإيقاعات

ليس النثر أقل إيقاعًا من الشعر، ولكنه تشابك للإيقاعات. وقد يكسر المترجم مثلا الإيقاع الإيمائي للنص، سواء بتجزيء الجملة أو إضافة علامات الوقف أكثر مما هي في النص الأصل. ولا يعرف القارئ الفرق إلا حين يلجأ للنص الأصل، وهذا يفسر لم هناك ترجمات سيئة قد تكون جميلة في شكلها.

٩- هدم الشبكات الدالة والضمنية

أي كسر النص السفلي أو النص الضمني الذي تنتشر فيه بعض الدوالّ الرئيسية التي يقف عليها معنى النص. والمثال الذي يقوله برمان في هذه الحالة: إن كاتبًا مثل صمويل بيكيت يستخدم بخصوص مسألة الرؤية أفعالًا وصفات وأسماء معنى من دون غيرها. ولا تستطيع الترجمة التقليدية إدراك هذه النسقية.

١٠- هدم التنسيقات

يتجاوز نسق النص مستوى مفرداته ويمتد إلى عمق لغته حين يختار المؤلف جملًا تابعة أو كلمات بعينها لتشكيل النص. وبالعقلنة والتوضيح والتطويل، يتدمر هذا النسق حين يدخل في النص عناصر ليست منه، ليخرج النص المترجم الذي قد يبدو أكثر وضوحًا من النص الأصلي هو أيضًا "أكثر عمومية وتنوعًا وأقل تماسكًا منه". ويختم هنا برمان بعبارة بليغة: "ومثلما أن الوضوح لا يمكنه إخفاء اللانسقية، كذلك فإن التطويل لا يمكنه إخفاء الاختصار الكمي."

١١- هدم أو تغريب الشبكات اللغوية المحلية

يرتبط النثر أحيانا بعلاقة وثيقة مع اللغة الشفهية، أو اللغات المحلية. وتكمن الصعوبة هنا في نقله، فاللغات المحلية لا تترجم بعضها بعضًا، ولا يمكننا استخدام دوالّها ومقابلة عبارات محلية من اللغة الأجنبية بعبارات محلية من اللغة المترجمة. ويزيد الأمر سوءًا بدء اندثار بعض اللغات المحلية التي كتب بها النثر خصوصًا النثر المكتوب في القرن العشرين.

١٢- هدم العبارات

يشير برمان هنا للنصوص التي تستخدم صورًا وتعابير وأمثال مستمدة من اللغة المحلية. فالمترجم لا يستطيع استبدال الكلمة التي هي ملجأ انجليزي شهير -مثلا- بتسمية لملجأ عربي شهير، وإلا لأصبح النص الذي يفترض أنه كاتبه انجليزي نصًا عربيًا لكاتب عربي! ومثل هذا للأمثال المحلية.

١٣- محو التراكبات اللغوية

تُكتب بعض الأعمال النثرية بأكثر من مستوى لغة داخلها، أو لهجات مختلفة، وترجمتها هنا مع الحفاظ على إطار اختلافها والتمييز بينها تشكل تحديًا للمترجم، ونجاحه فيه نجاح نادر، لأن الترجمة "تعمل في غالب الأحيان على محو هذا التراكب المقلق."

يعتقد المؤلف أن هذه الميولات التحريفية ليست الطرق الوحيدة لنقل النص، وأن نقدها هنا يعني أن علينا أن نجتهد لتفاديها عبر الترجمة الحرفية التي كتب حولها برمان كتابه (الترجمة والحرف أو مقام البعد) وهي ليست حرفية بالمعنى الذي نعرفه، لكن الحرف هنا اشتغال على مستوى نسق اللغة والنص، وهي "ترجمة لا تعيد إنتاج الأصل المصطنع، بل المنطق المتحكم في هذا الاصطناع."


٩٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page