- آلاء باهبري
الترجمة و الإعلام..أراض جديدة!

يعد كلا الحقلين الإعلام والترجمة من الحقول "متعددة التخصصات"، فهي تتقاطع مع غيرها من العلوم، فتأخذ مفاهيم ونظريات من حقول أخرى كعلم النفس والاجتماع والاقتصاد و غيرها . وعلى الرغم من أن الترجمة و الإعلام حقلان مستقلان ومنفصلان، يتبع كل منهما مجالاً آخر، إلا أنهما يتقاطعان مع بعضهما في نقاط كثيرة، و يمكن تلخصيها في ناحتيين رئيسيين: الأولى: أكاديمية بحتة، والثانية: من ناحية تطبيقية.
أما من الناحية الأكاديمية فبداية هناك علاقات وطيدة بين حقل الإعلام و اللغويات الذي يتفرع منه الترجمة في المفاهيم و النظريات و المنهجيات البحثية، فمثلاً تستخدم النظريات اللسانية البلاغية في الإعلام، وتستخدم السيميائية في الدراسات الإعلامية، و هذا التقاطع يحكم عيه بأنه عميق لدرجة أن بعض الجامعات العالمية تجمع بينهما في تخصص "الإعلام و اللغويات" باعتبار أن الإعلام هو في نهاية المطاف لغة اتصالية، "خاصة". ويتقاطع كذلك الإعلام والترجمة في الدراسات الثقافية و الاجتماعية، وعلم النفس الاجتماعي باعتبارهما وسيلة للاتصال الثقافي و الاجتماعي.
وقد بدأ الاهتمام بالتقاطع الأكاديمي بين الإعلام و الترجمة بشكل خاص في السنوات المتأخرة، فأقيم سيمينار (إعلام الترجمة:الترجمة بين الإعلام) في جامعة كيمبردج عام [1]2009،والذي طرح تساؤلين ، أحدهما اهتم بالتقاطع بين الترجمة و الإعلام. بل و قد ترجم هذا الاهتمام إلى أبحاث كثيرة حاولت استخدام نظريات ومفاهيم من أحد التخصص في الآخر.
وقد تركزت هذه الدراسات في ناحيتين:
1.استخدام مفاهيم من كلا العلمين عبر ما يعرف باستعارة البردايمات، فمثلاً طرح سؤال في سيمنار جامعة كيمبردج حول: هل يمكن النظر إلى اللغات والترجمة كوسائط ووسائل إعلامية( مثلها مثل الإذاعة والتلفزيون)، ومن ثم تطبيق كافة ما ينطبق على الوسائط الإعلامية من نظريات و مفاهيم وإشكاليات على الترجمة. وفي الحقيقة إن مثل هذه التساؤلات قد تفتح آفاقاً غير مسبوقة للوصول إلى تفسيرات جديدة في مجالي الإعلام و الترجمة.
2.النظرة إلى حقلي الترجمة والإعلام كتمثل للهويات الثقافية، أي أن كلاهما في النهاية تعبيران عن الهويات الاجتماعية و الثقافية في مجتمع ما، فحين يستخدم الإعلام الصور والصوت والكلمات، تستخدم الترجمة الكلمات فقط لنقل الثقافة، ومن جهة أخرى ينظر إلى ترجمة المواد الإعلامية، وكيف خلقها للصور الذهنية التي تحمل تمثلات ثقافية معينة، تؤثر في الاتصال الثقافي.
أما من الناحية التطبيقية ، فإن الترجمة الإعلامية تعد مجالاً خصباً للموضوعات المتنوعة، فهناك ترجمة الأخبار، والترجمات للأحاديث و الافتتاحيات و الأعمدة الصحفية، كذلك فإن هناك الترجمات الفورية في الإذاعة والتلفزيون. وما يجعل الترجمة الإعلامية مختلفة عن الترجمة العادية هو وجود بعض الأبعاد الإعلامية التي ينبغي مراعتها عند الترجمة، والتي قد تتطلب تخصصاً أو معرفة قد لا تتوفر لدى جميع المترجمين.
في هذه الزاوية سنتناول هذا التقاطع بين الإعلام و الترجمة من الناحية الأكاديمية ، والتطبيقية، لتوسيع أفق التلاقي، و لمحاولة اسكتشاف أراض لم تطئ بعد!
[1] http://www.crassh.cam.ac.uk/events/23518