top of page
  • بشاير الزهراني

تساؤلات في الترجمة


تتنازع الترجمة نظريتان هما على طرفي نقيض، فإما أن يتبع المترجم النص حرفيا ويسخر ترجمته لخدمة مفردات النص الأصل، وإما أن يتحرر فيحاول أن يمسك بالتأثير الخفي الذي يدركه قارئ النص باللغة الأصل ثم يعيد صياغته في لغته الجديدة بطريقة ما وفق ما يراه مناسبًا. هنا لسنا نحاول إثبات أيهما الأصح، ولسنا بصدد ابتداع نظرية جديدة بين بين، ولكن لنتساءل أكثر حول هذه المفهومين وننظر أين تقودنا هذه الأسئلة.

في كتاب “الترجمة والحرف أو مقام البعد” لأنطوان بيرمان المؤلف والمترجم الفرنسي، يورد الكاتب أفكارا عدة، حول احترام غرائبية النص المترجم، ومدى تقبل القراء له، وشعور المترجم بالحاجة لتغييره ليتلاءم مع اللغة المنقول إليها. يرى بيرمان أن المترجم حين يحاول ليّ عنق النص الأصلي ليبدو في اللغة الهدف كما لو أنه من صميمها، فهو بذلك يظهر فوقية وأفضلية يراها في لغته التي نقل إليها، أو في ثقافته التي ينقل إليها، أو في أيدلوجياته التي يؤمن بها. إذ أنه لا يشعر أن ما يمتلكه النص الأصل يستحق أن يخضع هو له وينقله باختلافه. ويدعو بيرمان للتخلص من هذه الأساليب، وجعل الترجمة كما لو أنها ولادة جديدة للنص في لغة أخرى، لا تغيره، ولا تصبغ عليه ثقافة أخرى، ولا تخفت روحه، وإنما تخلقه من جديد في بنية تشبه بنيته الأصل، لتجعله بالشكل الذي يمنحنا الشعور بأن كاتب النص الأصلي لو كتبه في اللغة المنقول إليها لكان قاله بمثل هذه الطريقة أو يكاد.

في كتاب آخر “الترجمة وإعادة الكتابة، والتحكم في السمعة الأدبية” يتناول الكاتب في بدايته فكرة مفادها تساؤل مثير، هل تَتَابع الترجمات تلو الأخرى -الترجمة عبر لغة وسيطة مثلا- تحيلنا للأصل؟ يبدو أننا حين نقرأ نصا مترجما عن نص مترجم هو الآخر، فإننا نقرأ إبداعا جديدا لا علاقة للكاتب المؤلف الأول به. ويضيف لذلك أيضا النصوص القديمة التي ترجمت أكثر من مرة مثل الكتاب المقدس أو كتب الكلاسيكيات. فهل النص الذي نقرأه إذا هو مختلف تماما؟ أم هو كما يناقش المفكر المغربي عبدالسلام بنعبدالعالي توسع وامتداد للنص الأصل؟ هل يكتب المترجمون نصوصًا جديدة دون أن يشعروا؟ أم هم فقط يوسعون حدود النص الأصل ليشمل ما أفلته الكاتب الأصلي في كتابته؟

في رأي المترجم والمؤلف الروائي “أمبرتو ايكو” فالمترجم حين يترجم فهو يفاوض الكاتب والنص، اللغات لا يمكن أن تتطابق مهما بذلنا من جهد في جعلها تقول الشيء نفسه، لذا فالمترجم هو مفاوض يرجح مايتوجب نقله وما يتعذر، ليس لأن الثقافة المنقول إليها لا تقبله، بل لأن اللغة الهدف لا تتيح إمكانياتها قول ذات الشيء الذي قيل في الأصل بنفس الطريقة.

ربما إذا لا يوجد للترجمة سبيل هو الأصح والأجود، وإنما تعتمد وظيفتها تماما على المترجم وتأييده لأي من نظريات الترجمة.


٦٥ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page