top of page
  • بشاير الزهراني

استعارات الترجمة


يقول ألبرتو مانغويل -مؤلف ومترجم أرجنتيني كندي-:

"وحين نقرأ نصًا مكتوبًا بلغتنا، فإن النصّ ذاته يتحول إلى حاجز وعثرة. حيث يمكن لنا أن نمضي فيه بقدر ما تتيح لنا كلماته، فنحيط بكل حدودها الممكنة، كما يمكن لنا أن نجلب نصوصًا أخرى نحملها عليه وتعكسه، كما في قاعة المرايا، ويمكن أن نقيم نصا آخر، نقديًا يوسع النص الذي نقرأه ويضيئه، غير أننا لا نستطيع أن نهرب من حقيقة أن لغته هي حدود عالمنا.. وهكذا فإن الترجمة تطرح ضربًا من عالم مواز، مكانًا وزمانًا آخرين يتكشّف فيهما النص عن معان أخرى ممكنة وغير معتادة، مع أن هذه المعاني ليست لها كلمات خاصة بها، إذ توجد في أرض حدسية لم يطأها أحد، واقعة بين اللغة الأصل ولغة المترجم."

استعارات الترجمة لا تنتهي، ما الذي يمكن أن يكونه هذا الفعل الذي ينقل ويخلق ويعبّر؟ ما الذي يمكن أن تكونه الترجمة؟ في هذا الاقتباس السابق يصوّر مانغويل الترجمة باستعارات مدهشة، فبينما يصور النص في لغته الأصل كقاعة مرايا، يُرى في كل جوانبها الشيء نفسه بلا اختلاف؛ يصوّر الترجمة كعالم مواز، يسير فيه المعنى بهيئة مختلفة عن عالم النص الأصلي. أو كأرض حدسيّة لم يطأها أحد، في مشهد مذهلٌ للغة يُعبر عن كلماتها بأنها متجددة ومختلفة.

ولا تتوقف استعارات الترجمة هنا، فهاهي استعارات مترجمي الكتاب المقدس المنسوب إلى الملك جاك:

"تفتح الترجمة النافذة كي تسمح لضوء النهار بالولوج، وهي تكسر القشرة كي نتمكن من تذوق الفاكهة، وتزيح الستار كي نمعن النظر في أقدس مكان، وترفع غطاء البئر كي نصل إلى الماء..."

تذكّرنا الاستعارات، قديمة كانت أم حديثة، أن الترجمة، هذا الفعل الخلّاق، لم يكن يومًا شيئا عاديًا ومألوفًا، وإنما دهشة تتكشّف في كل مرة، وغموضٌ يتسامى عن التجلي والابتذال.


١١٤ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page