- سارة المبارك
عن السرقة الأدبية و الانتحال

لا ريب أن ازدهار التقنية ساهم في انتشار الكتاب و ذيوع الترجمة و سهّل التعرف على الكتب الحديثة و القديمة و طرق الحصول عليها. و إن كانت في المقابل قد سهلت من وسائل و طرق السرقة الفكرية(كما سهلت طريقة الكشف عنها بطبيعة الحال). و الواقع أن السرقة الفكرية ليست وليدة العصر و إنما قديمة قدم الحضارة و عمرها هو عمر جهود الإنسان الفكرية و العقلية، و طالما حظي العلماء و الفلاسفة و الأدباء على مر التاريخ بمنزلة اجتماعية لدى الشعوب أحاطتهم بشيء من التكريم المعنوي الأمر الذي خلق بيئة تنافسية إيجابية شجعت على تقديم المزيد من الإبداع من جهة، و أخرى سلبية تمثلت في وجود السرقة بجانبها الفكري.
يعتبر مصطلح السرقة الفكرية أعم و أشمل من السرقة الأدبية، فهي تشمل كافة العلوم التي عرفتها البشرية سواء العلمية و الصناعية منها أو الأدبية كالشعر و النثر و غيرها .و هذا التفريق بين المصطلحات يجعل التكييف القانوني لقضايا السرقات الأدبية مختلفاً تبعاً لطبيعة المنتج المسروق،حيث أن الحقوق المتعلقة بابتكار صناعي على سبيل المثال تختلف عنها في مصنف موسيقي، أو مقالة مترجمة.
و قد زخر العصر الجاهلي - نظراً لاعتماد الشعراء على الرواة- بكثير من الانتحال و السرقة و نسبة الأبيات الشعرية لغير قائلها، كان طرفة بن العبد من أوائل الذين ذموها في قوله:
و لا أغيرُ على الاشعار أسرقها منها غنيت و شرّ الناس من سرقا
و إن أحسن بيت أنت قائله بيتٌ يقال إذا أنشدته صدقا
كما حفل التاريخ بقصص السرقات الأدبية و اتهام الشعراء بعضهم البعض كالفرزدق لما اتهم جرير بانتحال أشعاره:
إنّ (استرَاقَكَ) يا جَرِيرُ قَصَائِدِي مِثْلُ ادِّعَاءِ سِوَى أبِيكَ تَنَقَّلُ
و رغم ذلك،فإن الحد الفاصل ما بين الانتحال و التناص رفيع و يحتاج إلى تفنيد. فالأفكار و المعاني ملقاة على قارعة الطريق كما أشار الجاحظ،مما يزيد من فرص توارد الأفكار أو ما يسمّى بـ وقع الحافر على الحافر،و كما قال الفيلسوف الروسي باختين: "لاتوجد كلمة عذراء لم يسكنها صوت آخر"،حيث أن أفكار البشر تتكرر عبر الزمن و يعاد إنتاجها من جديد.إلا أنه من الملاحظ أن أحد أهم الأسباب التي ضاعفت الاهتمام بموضوع السرقة الأدبية هو العامل المادي؛فعندما أصبح الشعر(و الكلمة بشكل عام)مادة للتكسّب و صار يُمنح مقابل ابتكارها و إنشادها مبالغ مالية، نشأ -إضافة لقيمتها المعنوية- قيمة أخرى مادية محسوسة، بحيث أنّ نسبة القصيدة لشخص دون آخر تترتب عليه التزامات مادية فضلاً عن المعنوية كالسمعة و الصيت. و هذه إشارة لتطور مفهوم الحق المعنوي الفكري في التاريخ. (و إن كان ثمة جدل فرعي حول وظيفة الكلمة الأخلاقية و التكسب بها يطول الحديث عنه).
و هنا يتبادر سؤال عن الانتحال في الترجمة، خاصة و أن الترجمة في الأساس هي عمل مشتق عن أصل، و المترجم فيها يسير على خطى المؤلف/ـة ما استطاع،فهو/هي يحاول و يتحرز ويتجرد لينقل العمل كما هو تماماً بمادته الخام. فاختلاف الثقافة و البيئة التي ظهر فيها العمل من جهة، و ثقافة و تفكير المترجم/ـة من جهة أخرى يؤثران بالضرورة على النتيجة النهائية للعمل. و لأن المترجم/ـة يشكل الكلمات فالانتحال وارد بطبيعة الحال، سواء كان شاملاً أو جزئياً، و سواء كان في كلمة أو جملة كاملة،أو حتى ما يوضع بين الأقواس إيهاماً و احتمالاً. و هناك من جعل الترجمات المتعددة للعمل الواحد تقتضي التعرض لزلل الانتحال،أو ما يحصل من احتكار مؤسسات لترجمة أعمال مؤلف/ـة بعينها،و جوبه مثل هذا الرأي بأن تعدد القراءات و التحليلات للعمل الواحد تجعله كالعمل المبتكر، فكل ترجمة هي عمل جديد، و" لولا المترجم لما عبر المؤلف إلى ألسنة أخرى".
كتب عبدالفتاح كيليطو في كتابه"الكتابة و التناسخ" أن النص المنحول يظل يتطلع إلى كاتبه،و أن القصيدة المنتحلة تظل ككيان مشطور بين كاتبها المزعوم و شاعرها الأصلي.
المصادر:
كتاب: جرائم الانتحال الأدبي و العلمي/ محمد ابداح
.كتاب: أدونيس منتحلاً /دراسة في الاستحواذ الأدبي و ارتجالية الترجمة.كاظم جهاد