- سارة المبارك
الترجمة إبداع إنسانيّ حقه الحفظ

تعدّ الترجمة عملية ذهنية مركبة وخاصة؛ أي ذاتيةً تختلف من شخص لآخر. ولا أدلّ على ذلك من تفاوت ترجمات العمل الواحد تبعاً لاختلاف المترجمـ/ـة،و حرص القارئـ/ـة على انتقاء الترجمة الفضلى بحيث يستطيع الوصول للمعنى الأقرب. ومع ذلك فقد لا يكون الطريق إلى المعنى سالكاً وواضحاً، ذلك أن اللغة ليست مجرد كلمات لفظية مفرغة من بئر المعنى العميق (الأمر الذي يفسر عدم وجود ترجمة آلية دقيقة) بل هي عالم غزير متشعب وقديم من التاريخ والثقافة التي تجعل مهمة المترجمـ/ـة مضاعفة في الوصول للمعنى، ومن ثَمّ نقله كما هو بأخفّ الأحمال وأوضحها.
إن نتاج هذا العمل العقلي الشاق، ومخرجات الذهن الإبداعية عموما، هي منقولات معنوية قابلة للتملك، فالملكية الفكرية هي إحدى صور الملكية بمفهومها الواسع، ويقصد بمفهوم التملك مجموعة المصالح المعنوية والمادية التي تثبت للشخص عن عمله، إضافة إلى حقه في حمايته من الاستيلاء أو الاستغلال. و لعل من الجدير بالذكر أن مسألة حقوق المؤلف أثارت جدلاً بين فقهاء القانون باعتبار احتوائها على حق مالي وآخر أدبي، فذهب البعض إلى اعتباره حقاً من الحقوق الشخصية وذهب آخرون إلى اعتباره حق ملكية، واتجه فريق ثالث إلى اعتباره ذو طبيعة مختلطة.
وبالعودة إلى جذور فكرة الملكية الفكرية فإن اتفاقية باريس عام 1833م لحماية الملكية الصناعية تعدّ أول اتفاقية حول الملكية الفكرية، وقد دعا إلى إبرامها مؤتمر في فيينا – قبل إبرام الاتفاقية بسنوات - أحجم فيه المخترعون عن إظهار اختراعاتهم وتمسكوا بعدم الإفصاح عنها طالبين الضمانات، الأمر الذي دعا إلى تقرير الحماية على تلك المخترعات بموجب مرسوم مؤقت أصدره ملك النمسا. وعنها تمخضت الاتفاقيات التي تحمي جميع أشكال الملكية الفكرية، الصناعية منها والأدبية، منها اتفاقية بيرن في سويسرا عام 1886م الخاصة بالحقوق الأدبية والفنية وحماية المصنفات وحقوق المؤلفين، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) 1967م، ومن ثّمّ الاتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية تربس (TRIPS) عام 1994م.
TRIPS: Agreement on Trade Related Aspects of Intellectual Property
وقد ورد في اتفاقية بيرن أن الحماية تشمل كل إنتاج في المجال الأدبي والعلمي والفني، أياً كانت طريقة أو شكل التعبير عنه (م 2/1)، كما ورد فيها حق الترجمة ضمن الحقوق التي يجب الاعتراف بها كحقوق تصريح استئثارية، وأُدرجت الترجمات ضمن المصنفات المشتقة عن مصنفات أصلية، كي يُحمى هذا النوع الخاص من المصنفات دون مساس بحق مؤلف النص الأصلي.(م 2/3) كذلك على صعيد القانون الوطني ذكرت مصنفات الترجمة ضمن المصنفات المشتقة المحمية بموجب نظام حماية حقوق المؤلف (م3) وتعد المصنفات المشتقة في علاقة تبعية تجاه المصنفات الأصلية، الأمر الذي يحتّم على مؤلفيها احترام الحقوق المتعلقة بها.
المترجمون أصحاب نتاجٍ فكريٍ يتطلب جهداً في الموازنة بين الألفاظ والعبارات من جهة والدلالات والمعاني من جهة أخرى، والقدرة على السير بينهما برشاقة، لذا حمايةُ هذا المجهود هو تقدير للعمل المبذول وحفظ للحقوق المترتبة عليه، وخلق لبيئة تنافسية شريفة محفزة للإبداع.
المصادر:
- نظام حماية حقوق المؤلف الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/41) وتاريخ 2/7/1424هـ
- اتفاقية بيرن
http://www.wipo.int/edocs/mdocs/arab/ar/wipo_ip_cai_04/wipo_ip_cai_04_1.pdf