top of page
  • بشير زندال

عن دبلجة الأفلام



لم يهتم القيمون على الإعلام العربي بالدبلجة لأنها تحتاج لمجهود وهي مكلفة أكثر من السترجة(الترجمة الكتابية)، بينما اهتمت اللغات الأخرى بالترجمة الصوتية فراحت فرنسا تدبلج كل الأفلام الأميركية والإيطالية والمسلسلات المكسيكية والأمريكية والأفلام الوثائقية.


أولاً علينا معرفة أنه منذ ظهور وسائل الإعلام المرئية (التلفزيون أو السينما) والمسموعة (الراديو) – طبعا سنستثني هنا المقروءة كالصحف والمجلات – والترجمة كانت أهم مشكلة من مشاكل التواصل بين البرنامج أو الفيلم وبين المتلقي في اللغة الأخرى. وبالنسبة للراديو طبعا كانت الترجمة صوتية أما التلفزيون والسينما فانقسمت الترجمة إلى ترجمة كتابية وهي ما أصطلح عليه بالسترجة تعريباً للمصطلح الفرنسي (sous-titrage) وكان المترجم حميد العواضي هو من أقترحه وتبناه الكثير من المترجمين وأختلف معه البعض الآخر. والسترجة هي ترجمة النص المنطوق كتابيا حيث يظهر النص أسفل الشاشة أو في أماكن أخرى إن كان أسفل الشاشة مشغولا بنص من اللغة الأصلية. طبعاً بدون المساس بأي من المؤثرات الصوتية للعمل الأصلي. أما الدبلجة( تعريباً للمصطلح الفرنسي doublage) فهي الترجمة الصوتية لأي عمل وهي أصعب من السترجة لأن الدبلجة تحتاج لأكثر من صوت في الأعمال السينمائية بل و تحتاج إلى مجهود لإضافة المؤثرات الصوتية كالموسيقى التصويرية أو أصوات السيارات والضوضاء المصاحبة للعمل الأصلي.


دبلجة الأفلام

تعتبر الدبلجة الطريقة الفضلى لتوصيل الرسالة المبتغاة من المشهد السينمائي لأن المتلقي للسترجة يكون مشغولا بقراءة النص فتقوم عيناه بالجري وراء النص المكتوب لفهم ما يدور وما أن تحاول هاتان العينان العودة إلى المشهد حتى تأتي جملة جديدة مكتوبة فتعود إلى النص للقراءة وبهذا يتشتت المتلقي بين الاستمتاع بالمشهد ( الذي كلف المخرج والمنتج الكثير من المال ومختص الديكور الكثير من الوقت ) وبين متابعة النص لفهم ما يدور في الفيلم وقد يلاحظ هذا التشتت في أفلام الحركة التي تكون فيها بعض المشاهد مقسمة في أجراء أقل من الثانية وحين يكون هنالك حوار مترجم فإن المتلقي قد يخسر المتعة الكاملة في متابعة النص على حساب الصورة أو الاستمتاع بالصورة على حساب النص. بالإضافة إلى أن المتابع للسترجة يحرم من الاستمتاع بالتمثيل فالممثل في الدراما أو الأفلام الرومانسية يجتهد كثيراً في حركات وجهه وهو يتقمص الدور بينما يكون القارئ للسترجة منتبها للنص المكتوب فلا يرى الإبداع في عمل الممثل. هذا يجعل متابع الفيلم لا يتابع كل المشاهد لأنه مشغول بالقراءة وإن ترك القراءة لمتابعة المشهد بصرياً فإنه يحرم من متابعة سياق الحوار. هذا يجعل الرسالة message المتمثلة في الفيلم كوحدة كاملة تصل مشوشة أو ناقصة. بالإضافة إلى المشاكل التقنية للسترجة مثل صغر الخط أو نوعه أو اختفاء الجملة بسرعة أو ضعف مستوى القراءة عند المتلقي العربي أو حتى ضعف النظر، كل هذه مشاكل تؤثر على التلقي الجيد للفيلم.

أما الدبلجة فإن المتلقي يتابع الممثل وهو يستمع إلى الحوار بالعربية فيستمتع بالمشاهد ويعرف كل ما يدور من أحداث ومن حوار. وبإمكان شريحة أكبر من المشاهدين متابعة الفيلم لأن هنالك الكثير ممن يعانون ضعف النظر، أو ضعف اللغة العربية أثناء قراءة السترجة، أو حتى الأميين الذين سيستمتعون بمتابعة فيلم بلغتهم أو حتى بلهجتهم(سوريين أو مصريين أو لبنانيين أو كويتيين). لكنها أصعب من السترجة لأنها بحاجة إلى الكثير من الممثلين وإلى إعدادات الصوت، من موسيقى ومؤثرات. وهذا ما يجعل التكلفة أضعاف السترجة التي لا تحتاج إلى الكثير من المال.

تعامل المشاهد العربي مع الأفلام المدبلجة بعد أن قامت قناة mbc max بدبلجة العديد من الأفلام وقد بدأت في شهر سبتمبر 2009 بعرض أول الأفلام. لاقت هذه الخطوة ترحيبا كبيراً لدى المتلقي العربي، وهذا شجعهم على التمادي إلى الدبلجة بلهجات مختلفة. فتمت دبلجة الأفلام الهندية إلى اللهجة الكويتية، والأفلام الدرامية إلى السورية واللبنانية، والأفلام الكوميدية إلى اللهجة المصرية.

بالنسبة للدبلجة إلى الفصحى فإنها هي أفضل من الدبلجة إلى اللهجات المختلفة لأن المتلقي يقتنع أن المشهد الذي أمامه (من ممثلين و حوار) هو من ثقافة أخرى، و يقتنع نفسياً بأن الفصحى هي ترجمة أمينة و أنه بهذه الدبلجة إنما يسمع صوت الممثل الأصلي كما أنها تحافظ على الفوارق الثقافية .أما الترجمة إلى اللهجات العربية فإن لها تأثير سلبي على عملية التلقي لأسباب عديدة؛ فالمشاهد يشعر أن الدبلجة غير منطقية فالشاب الذي يتكلم بلهجة كويتية أو سعودية يتحدث عن مضاجعة صديقته فيجعل المشاهد يعيش في حالة من الارتباك لأن مستوى الألفاظ لا يتناسب بتاتاً مع بيئة اللهجة الملفوظ بها هذا الحوار. كما أن أسماء الأشخاص تكون غير منطقية لأن المتلقي لن يصدق الأحداث إذا كانت الشخصية التي تتكلم باللهجة الكويتية أو بالسورية أو بغيرها أصبح أسمها (ثاكور) أو (أندريه). كما أن الأحداث التي تدور في الفيلم قد لا تستطيع معدة المتلقي هضمها بلهجة معينة كأن يحي البطل العلم الأمريكي باللهجة السورية أو يتوسل إلى البابا أو يدعو في الكنيسة بهذه اللهجة أو تلك. لذلك أعتقد أن هذه العلاقة مع المتلقي في الدبلجة تكون دائماً في حالة نفور دائم. غير أن هناك استثناءاً واحداً في الدبلجة باللهجات وهي دبلجة الأفلام الكوميدية؛ لأن الكوميديا تعتمد أصلاً على المفارقة وقد تكون مفارقة (اختلاف اللهجة) أحد أهم أسباب الضحك. وقد يعلم الكثير أن بعض مسلسلات الأطفال (مثل عدنان ولينا)

قد دبلجت قبل بضع سنوات إلى اللهجة اليمنية ووزعت في محلات الإنترنت وكانت ناجحة لدى المتلقي لها لأن المفارقة في اللهجة حولت الدراما إلى كوميديا.

أخيراً، هنالك العديد من الإشكاليات في تلقي الدبلجة سواء إلى الفصحى أو إلى العامية، كالاعتماد على ممثلين مجهولين لا يتقنوا التمثيل و أداء الأصوات بتجسيد جيد للشخصية بعكس التعامل مع أصوات ممثلين معروفين و بارعين في التجسيد لأنهم قد يكلفوا أكثر بكثير من الممثلين المجهولين. كما أن حركة الشفاه قد لا تتطابق مع الجملة المنطوقة، و هذا قد يجبر المترجم إلى ترجمة مختصرة أو إسهاب في الترجمة كي تتزامن الجملة مع حركة الشفاه. و رغم هذه الإشكاليات و أخرى لم نذكرها إلا أن الدبلجة تظل أفضل بكثير من السترجة في إيصال الرسالة إلى المشاهد.




٥٤٩ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page