- روان بدر
ترجمة الأمثال

تمتلئ اللغة بالمجازات. كل عبارة هي رمز يخبئ خلفه عشرات المعاني التي تزدحم في عقولنا بمجرد رؤيتنا أو سماعنا لها. هذه المعاني التي اتفقنا نحن أهل اللغة الواحدة - بطريقة ما- على أنها ما ينبغي أن تمثله هذه الأصوات المبهمة. إذا كانت اللغة ليست إلا صورة للاتفاق بين الناس الذين يتحدثون بها فإن المثل هو الشكل الأوضح لهذه الصورة.
فالمثل - كما يقول الفارابي- هو ما تراضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم وفاهوا به في السراء والضراء. وعلى الرغم من أن الأمثال غالبا لا تزيد عن جملة واحدة إلا أنها تختز ثقافات بأكملها. حتى أنه باستطاعتك تخمين منشأ المثل بمجرد الإلمام بمعلومات عامة بسيطة. فإذا قرأت " اشتر كعكه الارز من صانع الارز"* فإنك ستفترض أن المثل من شرق اسيا. وإذا ما وصف شيء ما بأنه "اعقد من ذنب الضب"** فستعرف حتما أن الواصف من بيئة صحراوية.
هذا الجانب الثقافي الذي يأسرنا في الأمثال هو ذاته السبب الذي يجعلها محصورة في لغتها ويصعب نقلها إلى لغة اخرى.
في الترجمة يتم التعامل مع الأمثال على أنها شيء ينبغي دائما استبداله. فبدل أن تترجم الكلمات التي ستبدو حتما -عند نقلها حرفيا- للغريب الذي يقرأها كلمات مصفوفه بلا معنى أو بمعنى مشوش يثير الحيرة, يبحث المترجم عن مكافئ للمثل في اللغة المستهدفة. فاذا لم يجد ترجم المعنى الذي يقبع خلف هذه الكلمات وحذف المثل بالكلية. أما إذا ترجمه كما هو وأتبعه بتفسيرات في الهامش, ترجمه على استحياء كأنه يرتكب جرما وغامر بالظهور بمظهر المبتدئ الذي لا يلم باللغة التي يترجم إليها.
قد يكون هذا هو الاسلوب الأمثل للترجمة بدل من إرباك القارئ بكلمات لا يفهم المدلولات الثقافية لها. لكنه ايضا يغلق الباب الذي قد يقوده إلى عادات و أخلاق وأفكار بل وحتى أساطير هذه الثقافات التي يقرأ عنها.
هل ينبغي أن تترجم الأمثال بطريقة اخرى؟ لا أدري حقا...لكنني أتساءل أليس الهدف من وراء الترجمة هو تعريفنا على عوالم لم نكن نفهمها من قبل وإقحامنا في "اتفاقات لغوية" لم نكن طرفا فيها !
*مثل ياباني يشابه في معناه المثل العربي: اعط الخبز لخبازه
**مثل عربي