top of page
  • فاطمة عبدالله الغفيلي

الترجمة من منظور تاريخي!




في وقتنـا الحاضر، تـُعد الترجمة لجـميع القِطاعات قضية من أهم قضايا الثقافة المُعاصـرة، خاصة وأن العولمة الإلكترونية جعلت الأنترنت مكان سهل الوصول إليه لغرض التمازج والتواصل مع الشعوب، فهي بمثابة إنفتاح على علوم الغرب التي بَرَع فيها، ومشاركة الأفكار والعِلْوم مع الحضارات المُختلفة.

ولا شك أن التـرجمة بجميـع أشكـالهـا بدأت منذ عقود قديـمـة جدًا، بل وهي من أهم عوامل ومقومات تطور ونهضة الدول في وقتنا الحالي. وإذا تكلمنا عن الترجمة من مُنطلق تاريـخي فكانت أول إشارة بوجود "عمـلية ترجمـة" هي الرسائل التي تم تبادلها بين أمراء الشام في العصر العباسي. وقد مرت حركة الترجمة بتغيّرات ومراحل وفلسفات ودراسـات لا نهايةٌ لهـا حتى هذه اللحظة.

ومن أشهر العلماء الذين أطلقوا دراسات ونظريات ترجمـة، وقد سبـَق ومررنا ببعض هذه الأسمـاء خلال سنوات دراستنـا كطلاب ترجمة هم: Nida, Newmark, Vinay and Darbelnet.

وأول من حاول وضع منهج محدد للترجمـة هو الكاتب والخـطيب الروماني Cicero، فقد إقـترح أنه يجب على المترجم أن يقرأ النص الأصلي بلـغتة المصدر ثم يـُنحيه جانبـًا، ويشرع في إعادة كتابته باللغة المنقول إليها دون الإلـتزام بالترجمـة الحرفية.

لكن قد يجهل بعض المُترجمين، أن الترجمة كانت لها مكانة وإنطلاقة كبيرة من عالمنا الإسلامي وأهم مؤسسيها شخصية إسلامية مهمة. والترجمة عملية قديمة قِدم الزمن، ويـُعتبر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو المـُعرِب الأول حيث قد أمر بتعريب الدواوين نقـلًا عن الفُرّس، فأسس أكثر من ديوان معرب مثل ديوان أسماء الجنود وديوان الرسائل والبريد.

وعندما بدأ العرب تأسيس حضارتهم كان هناك الكثير من الإختلاط مع الثقافات الآخرى مثل الفُرس والرومان واليونان والهنود، وأكثر مجال قد تمت ترجمته هو المجال العلمي ثم الهندسة والفلك والطب وبالطبّـع الفلسفة مثل كُـتبِ أرسطو وأفلاطون. وكان لهذا الإختلاط مع الثقافات المُجاورة أثر إيجابي وآخر سلبي، على سبيل المثال: يوجد بعض المصطلحات والألفاظ التي تم تبادلها في القِدم والتي تُستخدم في يومنا هذا بدون إدراك أن بعض المصطلحات أصلها غير عربي بتاتًا.

أما ذروة الترجمـة في العالم العربي ونشأتهـا الحقيقية، كانت في عصر الخليفة هارون الرشيـد، وفي العصر العباسي تحديدًا، وهو الذي قد أنشأ مكتبة من أهم المكتبات العريقة وهي "بيت الحكـمة" أو "House of Widsom" وهي ببساطة مكتبة مقرهُا بـغداد، جمع فيها كل ما أمكـنّه من كتب مُترجمـة ومخطوطات هامّه في مجالات مختلفة كالطب والفلك والهندسة والآداب، وأضاف هارون الرشيد لمكتبة "بيت الحكمة" كل ما اجتمع عندَهُ من الكُتُبِ المترجمة والمؤلفة، فتوسعت خِزانة الكتب وأصبحت أقسام عديدة، لكل منها من يقوم بالإشراف عليها، ولها مترجمين يتولون عملية ترجمة الكتب المختلفة من الحضارات المجاورة إلى اللغة العربيـة. ومن أشهر المترجمين في مكتبـة بيت الحكمة: ابن جلجل، يوحنا بن البطريق وحنين بن إسحاق.

وبدون مُبادرة هارون الرشيد التي بدأت في عام ٧٦٣ م، والتي كانت مِفتاح رئيسي لحركة الترجمة، والتي غيرت مجرى العالم العربي والإسلامي، لمّا شاهدنا تطور وثقافة ملحوظة في مُجتمعنا، بالإضافه إلى تغيير بعض المفاهيم والمعتقدات عند الثقافات المجاورة. ومن أهم علامات التطور هي دراسات الطب والهندسة والفلسفة وغيرها، ففي القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو، وهناك مؤلفات كثيرة تُرجمت من اللغة اليونانية إلى العربية، وبعد عملية ترجمتها إلى العربية، ضـاع أصلها اليوناني فيما بعد، فأُعيدت إلى اللغة اليونانية عن طريق اللغة العربية!

أي أنها لو لم تترجم إلى اللغة العربية من قَبل لضاعت نهائيًا وإلى الأبد من الحضارة اليونانية.‏


رسمة تخيُلية لمكتبة بيت الحِكمة

(رسمة تخيُلية لمكتبة بيت الحِكمة)


المؤسف.. أن البعض قد يملك نظرة قاصرة تِجاه المُترجم، لما فيها من نكران لدوره أو تقليل من قَدره ومن الجُهد الذي يبذله. ويجهل الكثير أن هذه المجالات التي تُـعتبر ضرورة حياتية، نهضّت على يد مترجمين "أبطال!" غايتهم نشر رِسالة ساهمت في حركة تغيير مهمة ونهضة فكرية وعلمية.


“Without translation, I would be limited to the borders of my own country.

The translator is my most important ally.

He introduces me to the world.”

— Italo Calvino


المصدر



٢٩٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page