- أ.د. خالد توفيق
هل تحل الترجمة الآلية مكان المترجم؟

بقلم: أ.د/خالد توفيق
أستاذ دراسات الترجمة وعلم اللغة بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والجامعة الامريكية، وعضو اتحاد الكتاب.
تعد الترجمة الآلية فرعا من فروع اللغويات الحاسوبية computational linguistics وهو فرع من فروع علم اللغة التي اشتهرت وازدهرت في وجود الحاسب الآلي. وكان أول هدف لهذا الفرع هو التوصل لبرامج حاسوبية لترجمة نص أو خطاب من لغة إلى أخرى. وتقوم الترجمة الآلية بشكلها البدائي باستبدال بسيط لكلمات بلغة معينة إلى لغة أخرى، وهو ما يقتصر عادة على ترجمة الكلمة بكلمة، وليست ترجمة جملة بجملة.
ثم تطورت المسألة إلى التوصل إلى مجموعة من التقنيات التي يمكن استخدامها لترجمة النصوص الأكثر تعقيدا ،مما يتيح الفرصة لمعالجة الاختلافات على نحو أفضل. وذلك عن طريق:
1- التصنيف اللغوي، بمعنى تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف...إلخ.
2- تمييز العبارات والجمل عن الكلمات المنفردة
3- ترجمة التعبيرات الاصطلاحية
4- عزل الحالات الشاذة، أو ما يعرف بحالات الانحراف أو العدول اللغوي linguistic deviation، وهي الحالات التي تكسر قواعد اللغة المتعارف عليها لأغراض بلاغية وتواصلية.
ويرى الخبراء أن الترجمة الآلية تزدهر في بعض مجالات الترجمة مثل:
1- تقارير الطقس
2- الوثائق القانونية
3- التقاريرالحكومية
ولا تصلح الترجمة الآلية في ترجمة المحادثات والنصوص الأقل رسمية، التي تتطلب حسا إنسانيا؛ وبالتالي لا تصلح معها الترجمة الآلية التي تصلح لترجمة النصوص ذات التركيبات اللغوية النمطية. ويحاول المتخصصون تطوير برنامج الترجمة الآلية بحيث تستطيع ترجمة هذه النصوص في المستقبل. وهذا يعني ببساطة أن برامج الترجمة الآلية الحالية ليست قادرة على الترجمة بنفس الجودة التي يترجم بها المترجم البشري، وخاصة عندما تكون اللغة المستخدمة غير رسمية، ناهيك عن ترجمة النصوص الأدبية وخاصة الشعر. ولكن لو تحقق هذا في المستقبل فسوف يزيد التواصل بين الثقافات المختلفة، ويزيد ما يمكن أن نسميه بتلاقي الحضارات والمجتمعات.
بدأت فكرة الترجمة الآلية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن مع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين أصبحت الترجمة الآلية من وسائل التواصل بين المجتمعات، وتعددت أشكالها، ولعل أهم هذه الأشكال ما يلي:
1- ترجمة جوجل: يوفر المحرك البحثي جوجل خدمة الترجمة الآلية التي تساعد المتصفحين على الاطلاع على الأخبار والمعلومات المختلفة بسرعة فائقة. ويرى المتخصصون أن ترجمة جوجل غير دقيقة وتميل إلى الحرفية، وهذه حقيقة لا مراء فيها، ولكنها تحقق ذلك التواصل المبدئي بين المتصفح، وبين بقية المجتمعات؛ بحيث يحس المتصفح أنه يواكب – ولو بشكل مبدئي - ما يحدث في المجتمعات والحضارات الأخرى.
2- برامج الترجمة على الجوال: بدأت بعض شركات الجوال تزويد البرامج الموجود على الجوالات ببرامج للترجمة الفورية بحيث تحقق الهدف الأسمى من الترجمة وهو استمرارية التواصل مع ما يحدث في العالم بطريقة آنية وسريعة.
3- القلم المترجم Quicktionary : وهو أحد الاختراعات التي طرحت في الأسواق في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين واستمرت الشركات في تطويره إلى أن وصل إلى مستوى جيد من الترجمة. وهو عبارة عن قلم يضع من يستخدمه "سن" هذا القلم على السطر ويمرره على الكلمات المختلفة فتظهر ترجمتها على شاشة صغيرة مدمجة في القلم.
4- برامج الترجمة المتخصصة: وهذه البرامج الحاسوبية تنتجها الشركات من أجل أن يستخدمها المترجمون المحترفون مثل برنامج "ترادوس" و"الكافي". كما تستخدم هذه البرامج في تدريب المترجمين مما يسهم في تخريج جيل من المترجمين لديه القدرة على استخدام الترجمة الآلية التي تساعده كثيرا في إنتاج ترجمات تخاطب القارئ المستهدف بطريقة تنال رضاه لغويا وثقافيا.
يذكر شوقي جلال في كتابه المعنون "الترجمة في العالم العربي الواقع والتحديات: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة" أنماطا أخرى للترجمة الآلية هي في واقع الأمر عدة برامج أو نظم للترجمة في شكل بنوك مصطلحات منها:
1- برنامج المترجم العربي ATA للترجمة من الإنجليزية.
2- العالمية، صخر، طورت عددا من البرمجيات للترجمة الآلية.
3- المعهد الإقليمي للعلوم الإعلامية والاتصالات عن بعد في تونس.
4- البنك الآلي السعودي للمصطلحات.
5- معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، الذي أعد بنك للمصطلحات (مغربي).
6- بنك المصطلحات التابع لمجمع اللغة العربية الأردني.
7- أعد مجمع اللغة العربية في القاهرة سي دي بجميع المصطلحات المعربة.
ويلفت جلال النظر إلى أن الترجمة الآلية هي إحدى أهم سمات التواصل المجتمعي التي لو غفلت الدول العربية عن مواكبتها لتأخرت كثيرا. وهو يذكر في هذا الصدد أن الجهود المبذولة في الدول العربية لتطوير أنظمة الترجمة الآلية "مشتتة في عدد من البلدان العربية، وحبذا لو أمكن توحيد هذه الجهود توفيرا للوقت والجهد والمال، ومنعا للازدواجية، وضمانا للسرعة" (صفحة 53)
يرى العلماء أن الترجمة الآلية سوف يكون لها مستقبل باهر بسبب ارتباطها بالتطور التكنولوجي الذي تتسارع وتيرته بحيث من لا يلحق به يفقد الكثير من وسائل الاتصال بالمجتمعات والثقافات الأخرى. وإذا كانت الترجمة الآلية بها أخطاء نتيجة لغياب الحس الإنساني الذي هو أساس عملية الترجمة من الأصل، فإن المتخصصين يرون أن برامج الترجمة الآلية بأشكالها المختلفة تتطور شيئا فشيئا من خلال البرامج الحاسوبية التي تظهر كل يوم؛ مما يقلل الخطأ ويخفض من نسبة الفقد.
ويقول بيتر نيومارك في كتابه "عن الترجمة" "وبهذا المعنى يمكننا أن نقول إن الترجمة الآلية تؤدي دورا هاما في الانفجار المعلوماتي الكبير الذي شهدته السنوات الأخيرة، كما أصبحت من وسائل الاتصال الأساسية المعترف بها في كافة أنحاء العالم، بل أصبحت لها مكانتها كوسيلة لتدريس اللغات الأجنبية، وهدف لها" (صفحة 45).
ويرى بيتر نيومارك أن الترجمة الآلية ما زالت محدودة الاستخدام، ولكنه يرى أن المستقبل لها، ويجب الاهتمام بها وتدريب شباب المترجمين على أشكالها المختلفة:
ولكن الترجمة الآلية - مثل الترجمة نفسها - ليست فقط محتملة، بل موجودة، وتتقدم بخطوات متسارعة. ولعل سبب وجود الترجمة الآلية هو إنتاجيتها، وتكلفتها المنخفضة. ولكن استخدامها ما زال محدودا في بعض المجالات مثل تقارير الطقس، وبعض مجالات الترجمة العلمية، حيث ثبتت فعاليتها. وفي مجالات أخرى، مثل تلك النصوص العامة المستخدمة في بعض هيئات الاتحاد الأوروبي، تفقد الترجمة الالية مزيتها؛ حيث تحتاج إلى قدر كبير من التنقيح بأشكاله المختلفة. ويوجد تحسن مستمر في تتبع التراكيب النحوية المعقدة، والتعامل مع التعبيرات الاصطلاحية، وكلمات المشترك اللفظي polysemous بصفة خاصة، ولغة البيان بصفة عامة ... وإذا كانت معظم الأنظمة (الآلية) تحتاج إلى التنقيح الشديد، فإن الطريقة التي يقوم بعض المراجعين المتعجرفين بإعادة صياغة النصوص تثبت أن هذا الأمر ليس بهذا التفرد. (صفحة 67)
ولا شك أن هذا المجال سوف يشهد تطورا ملحوظا في الفترة القادمة لارتباطه بالتقدم التكنولوجي، بمعنى أن الترجمة الآلية يرتبط تطورها بالتطور التكنولوجي الذي ستنعكس وتيريته المتسارعة على هذا المجال. وسوف يؤدي هذا بالطبع لسرعة الترجمة، وبالتالي سرعة الوصول للمعلومة، وزيادة التواصل بين المجتمعات والحضارات. ولكنها لن تحل محل الإنسان؛ لأن الترجمة حس، والحس يملكه الإنسان ولا تملكه الآلة مهما بلغت من دقة.
ثبت المراجع
شوقي جلال. الترجمة في العالم العربي الواقع والتحديات: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة. القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2004.
Newmark, P. (1991). About Translation. Clevedon: Multilingual Matters LTD.