- حوار: وافي الثقفي
لقاء مع الدكتور حسن غزالة

كان لنا لقاء مع الدكتور حسن غزالة، أستاذ الترجمة والأسلوبية بجامعة أم القرى. وقد طرح عليه هذه الأسئلة.
س) متى بدأت علاقتك بالترجمة؟
مذ أن دخلت قسم اللغة الإنجليزية بجامعة حلب بسوريا، ولكن عملياً في عام 1982 عندما بدأت الدراسة في ماجستير الترجمة واللغويات ببريطانيا
س) أي مجال من مجالات الترجمة تميل إليه أكثر؟ ولماذا؟
الكتابة حول الترجمة ونظرياتها وطرقها وتطبيقاتها فيما يختص بمعظم أنماط النصوص، ولا مفاضلة عندي بين أنماط النصوص المختلفة في الترجمة، لكن أراني أميل إلى الترجمة الأدبية، علماً أنني بدأت بها متأخراً نظراً لصعوبتها أكثر من غيرها (إلا النصوص الإسلامية وربما القانونية).
س) برأيك، ما هي العوامل التي صنعت من الدكتور حسن غزالة مترجمًا عظيمًا كما نراه اليوم؟
أشكرك على مجاملتك. يكفيني أن أكون مترجماً ومؤلفاً ومدرساً جيداً. أول عامل من هذه العوامل وأهمها: التفاني والإخلاص في العمل والصبر الذي لا ينفد وحب عملي حباً عاطفياً حماسياً جماً، والإصرار على مقارعة مشاكل الترجمة وعدم الخوف منها أو التردد في التعامل معها مهما كانت صعبة، واعتقادي الجازم بأنه لا يوجد مستحيل في الترجمة، ولا يوجد شيء لا يترجَم، فإجراءات الترجمة تتيح لنا عدة أوجه لنقل المعنى. كما أن سمتي التواضع والعمل بصمت كانا من عوامل النجاح. وقبل هذا ذاك توفيق من الله عز وجل.
س) ما هو أهم حدثٍ تعدّه أحدث فرقًا في حياتك كمترجم؟
ترجمتي لكتاب البروفسور بيتر نيومارك إلى العربية لكثرة ما تعلمت منه، مما ثبت قدمي أكثر في الترجمة. يليه نجاح كتاب مشاكل الترجمة وحلولها Translation as Problems and Solutions والذي بات يعرف عالمياً، ثم جاءت موسوعة الترجمة من عشرة أجزاء نشر آخر مجلد منها عام 2017، ثم القواميس الثلاث.
س) الترجمة عمل مضن ومرهق، فماذا وجدت فيها؟
المرارة الحلوة، والحلاوة المرة، والمتعة واللذة الممزوجتان بالعرق والتعب، والفرحة التي لا يعرفها إلا من ذاق طعمها بعد انتهاء العمل، أو نشره.
س) نعلم أنك ترجمت عدة كتب إلى العربية وإلى الانجليزية، لكن ما هي أفضل تجربة لك في هذا المجال؟
ترجمتي لكتاب نيومارك السالف الذكر إلى العربية، وترجمتي لكتاب الدكتور الشكعة رحمه الله "مناهج التأليف عند العرب" إلى الإنجليزية.
س) بعد هذه السنوات من الخبرة في الترجمة، قد يتساءل أحدنا: هل ما يزال الدكتور حسن يواجه مشكلات مع ترجمة النصوص؟
نعم، لأن مشاكل الترجمة تكاد لا تنتهي، بيد أنني لا أخاف منها مهما صعبت، علماً أن معظمها أصبح أقل حدة وصعوبة عندي مما كانت عليه من قبل.
س) هل هناك لوائح رسمية معتمدة يمكن أن يرجع إليها المترجم لكل ما يتعلق بالترجمة؟
إذا كنت تقصد ميثاق أخلاقيات الترجمة وقوانينها، فلا يوجد شيء كهذا في بلادنا. ولكن يوجد في أمريكا وبيريطانيا وأوربا بشكل عام (أوردت بعضها في كتابي "مهارات الترجمة" (2014)).
س) نرى روابط وملفات لمؤلفاتك وترجماتك على الإنترنت، هل أذنتَ في نشرها؟ وماذا عن الطالب الذي يريد أن يفيد منها؟
أعطيت نسخاً إلكترونية للمكتبة الرقمية في جامعة أم القرى لبعض كتبي، وسوف أعطيها المزيد قريباً إن شاء الله من دون مقابل ليفيد منها القارئ أينما كان. أما المواقع الأخرى التي نشرت بعض أعمالي فلم تأخذ إذناً مني ، ولكني لا أطلب الإذن من أحد، فقد جعلتها لوجه الله. ويمكن للمترجم والطالب والقارئ وأي موقع أن يفيد منها كما يشاء بشرط أن يشير إلى صاحبها لكي لا يكون الأمر اختلاساً.
س) متى يجوز للمترجم أن يترجم كتابًا دون إذن من المؤلف؟
في الأعراف الدولية، حينما يمضي على تأليف الكتاب 99 سنة. أما في الحالات الأخرى فلا بد من الإذن من صاحب الحقوق سواء أكان إنجليزياً أم عربياً. ففي حالتي، حصلتْ دارُ النشر على إذن من دار النشر الإنجليزية لترجمة كتاب بيتر نيومارك "الجامع في الترجمة"، وحصلت شخصياً أيضاً على إذن من المؤلف نيومارك نفسه. أما "مناهج التأليف" فقد حصلت على إذن بترجمته من دار النشر، دار العلم للملايين، ومن الدكتور مصطفى الشكعة الذي كان حياً يرزق في عام 2010، (توفي رحمه الله في عام 2011). وأيّ ترجمةٍ لكتاب خارج هذا الإطار القانوني فيه شبهة لا أستطيع الحكم عليها بشكل قطعي. فهناك ظروف الترجمة والمترجم والجهة التي تطلب الترجمة ودار النشر، ومدى الضرورة الملحة للترجمة، والوضع المادي للجهة والبلد، وغير ذلك من العوامل والأسباب.
س) ما المقدار الذي يجوز للمترجم ترجمته دون إذن من الملف؟ مثلا لو ترجمة من الكتاب (10 أو 20%) فقط؟
لا أعتقد أنك تحتاج إلى إذن، ويفضل أن تكون الترجمة لمقاطع غير متتابعة من الكتاب. على أية حال، لا حرج من هذه النسبة. والله أعلم. أما بالنسبة لأعمالي شخصياً، فلا أطلب لا إذناً ولا مالاً مقابل ترجمة أي مقاطع أو حتى العمل كله لمن أراد، فقط على المترجم أو المقتبس أن يذكر المصدر بدقة. عندنا مبدأ "وعلم ينتفع به" في ديننا الحنيف، وهذا يكفيني.
س) كم هو نصيب المترجم عادة من ترجمة الكتاب؟ وما رأيك في هذا المقدار؟
يعتمد نصيب المترجم على الجهة التي يترجم لها. فالمؤسسات الرسمية مثل دارة الملك عبد العزيز مثلاً، سخية وتعطي مكافأة مجزية. أما القطاع الخاص والأفراد فهذا عائد لبنود اتفاق بين الطرفين، علماً أن الفكرة الخاطئة تماماً عن الترجمة أنها سهلة قد أبخست من حق المترجم. لكن بشكل عام نصيب المترجم معقول قياساً على نصيب المؤلف الذي قد يدفع من جيبه أحياناً، ونسبة الـ 10% التي تحسب له، تتبخر في الهواء على الأغلب.
س) كم تكلفة شراء حق الترجمة عادةً؟ وما هي الصعوبات التي تواجه المترجمين في هذه القضية؟
تتراوح التكلفة من دار نشر إلى أخرى ومن كتاب إلى آخر ومن مؤلف إلى آخر. دور النشر الغربية عموماً طماعة وتطلب مبالغ طائلة أحياناً تصل إلى آلاف بل عشرات الآلاف من الدولارات للكتاب الواحد، وهذا عائق رهيب أمامنا كمترجمين. فكم من كتاب تمنيت أن أترجمه، أصطدم بحقوق الترجمة فأراها خيالية فأقلع عن الفكرة. أما دور النشر العربية فترضى بالقليل عن حقوق الترجمة (ألف دولار أو أقل أو أكثر بقليل).
س) ما تقييمك لترجمات القرآن؟ وأي نسخة تنصح بها طلاب الترجمة؟
كلها ضعيفة قياساً على الأصل والسبب ليس ضعف المترجمين بل اللغة الإعجازية لكلام الله سبحانه وتعالى. لا أنصح بترجمة معينة لأن نقاط الضعف كثيرة في كل منها، ولكن أنصح بمراجعة أكثر من ترجمة (مثلاً لمحمد مرمدوك، وعبدالله يوسف علي ، والهلالي وخان)، لكي يتيح المترجم لنفسه فرصة المقارنة وينتقي الأفضل. وهذا ما أفعله، وأحياناً لا تعجبني كلمة أو عبارة فأغيرها من تلقاء نفسي وعلى مسؤوليتي.
س) أين يمكن للمترجم أن يجد تدريبًا رسميًا قويًا في السعودية؟
لا يوجد. عليك بجامعات بريطانيا وأمريكا وأستراليا وجنيف (إن استطعت) ومراكزها لتدريب المترجمين.
س) ما هي الصعوبات التي واجهتها عند ترجمتك لكتاب (مناهج التأليف عند العلماء العرب)؟
كثيرة جداً، أهمها اللغة التراثية غير المفهومة الآن، ومشاكل نحوية كثيرة ناشئة عن تداخل الجمل بعضها ببعض نتيجة سوء استعمال علامات الترقيم، وتداخل الأزمنة واختلافها في اللغتين، ومشاكل أسلوبية عديدة تتعلق بفصاحة العربية وبلاغتها، مقارنة بالإنجليزية، ومن أين أبدأ الجملة إذا كان فيها تقديم أو تأخير، والتهكم، وكيفية سبك الجمل والعبارات أسلوبياً ونحوياً، وغيرها كثير، ومشاكل معجمية تكاد لا تحصى: مصطلحات أدبية وفقهية ولغوية كثيرة، وأمثال وحكم وطرف ونوادر وأحجيات تتلاعب بالحروف والألفاظ، وعبارات بلاغية كثيرة، وتعابير ثقافية جمة، ومتلازمات لفظية لا تنتهي. أضف إلى ذلك مشاكل صوتية/عروضية عديدة، وصعوبة التعامل مع أسماء العلم والأماكن والقبائل على وجه التحديد، والأخطاء المطبعية. وغيرها وغيرها. ولكن أهم صعوبة وأصعبها كانت ترجمة الأشعار الكثيرة التي وصل عددها إلى حوالي 500 بيت من الشعر، أغلبها من التراث العريق والصعب في آن واحد.
س) من أين يبدأ المترجم؟ وما هي القيود التي تحكمه؟
يبدأ المترجم من أول جملة في العمل، بعد أن يكون قد قرأ العمل كاملاً (إذا كان قصيراً) أو تصفح أهم نقاطه ومشاكل ترجمته (إذا كان طويلاً). ثم يتابع جملة جملة، وإذا كانت الجملة مؤلفة من عبارات فعلية أو اسمية منفصلة، فليترجم عبارة عبارة. ثم الجملة التي تليها، وهكذا. أما عن القيود فكثيرة، ولكن أهمها ألا يخرج المترجم عن النص ويأتي بكلام لم يرد في النص الأصل، وهذا من باب الأمانة في الترجمة. أما كيفية التعبير عن المعنى فهذا تابع للمترجم بالدرجة الأولى بعد فهمه المعنى الأصل.
س) هل هناك حل لمعضلة المصطلح؟
نعم، لا يوجد مصطلح لا حل له، أياً ما كان نوع هذا المصطلح، حتى التعريب. فهناك ما يسمى بإجراءات الترجمة التي تساعدنا في ذلك.
س) ما تعليقك حول عبارة "الترجمة خيانة"؟
عبارة فارغة لا معنى لها. هناك مترجم خائن (إذا خان أمانته أمام الله في ترجمته، وغير وبدل على مزاجه)، وليس هناك ترجمة خائنة. فالترجمة عمل شريف وفي أعلى درجات الرقي حينما يؤدي بأمانة.
س) في ترجمة الشعر: ما هو الممكن وماهو المستحيل؟
لا مستحيل أمام المترجم في ترجمة الشعر ولا في غيره. لكن هناك صعوبات جمة تعترض مترجم الشعر (الذي ينبغي ألا يقترب من ترجمة الشعر قبل عشر سنوات خبرة في مجال الترجمة الأدبية وغيرها). أهم هذه الصعوبات السمات العروضية (القافية، والإيقاع، والبحر، والتفعيلة، وغيرها). فلا بد لمترجم الشعر أن يُلمّ بعروض اللغتين المعنيتين. أيضاً هناك ما يسمى بالترجمة العادية (أو غير الأدبية) للشعر والتي لا تراعي السمات العروضية، وتركز على المعنى فقط. وهناك الترجمة الأدبية/ الشعرية التي تتخذ من هذه السمات منطلقاً أساسياً لها. أي عندنا ترجمة عادية باهتة، وعندنا ترجمة شعرية/شاعرية راقية، وشتان ما بينهما. وأظهرت الفرق بينهما في كتابي "الترجمة الأدبية" (2013) بمناقشة العديد من الأمثلة والروايات (روايات الترجمة). لذا أن نتحدث عن ترجمة ضعيفة وترجمة جيدة خير من أن نتحدث عن المستحيل في الترجمة.
س) نصيحة للمترجم النشء في هذا العصر؟
تسلح بمعلومات جيدة عن الترجمة ونظرياتها وطرقها وتطبيقاتها ولو فكرة عامة. عليك أيضاً بمعرفة مهارات الترجمة وإتقانها بقدر ما تستطيع. وكان لي كتاب صدر عام 2014 في كنوز المعرفة بجدة عنوانه: Translation Skills: A Textbook (مهارات الترجمة: كتاب جامعي)، يعطي للمترجم المعلومات الدقيقة عن مهارات الترجمة بأنواعها المختلفة. لا تقدم على الترجمة إلا وأنت تعرف ماذا تفعل: وحدة الترجمة، ماذا نترجم، كيف نترجم (طريقة الترجمة)، لمن نترجم (القراء والأسلوب)، فصاحة اللغة (أسلوب)، وغيرها. لا تترجم عشوائياً، ترجم بشكل منظم وأنت عارف أين أنت ذاهب، وماذا تفعل في كل مرحلة من مراحل عملية سير الترجمة.
س) كيف ترى مستقبل المترجمين في ظل التطورات الملحوظة للترجمة الآلية؟
باهر ورائع ولن يكترث بغبار الترجمة الآلية لأنها أثبتت فشلها وتثير الضحك والملل في أغلب النصوص والمناسبات إلا ما ندر، ولا تصلح إلا لترجمة نصوص جامدة مبتذلة. أما معظم أنماط النصوص ففيها مزيج من اللغة والفكير والعواطف والمواقف والإيديولوجيات والثقافات التي تتطلب إنساناً من بني البشر يتفاعل معها في النص المترجم والتي أصبح الآن من المهم جداً للمترجم أن يعكسها في ترجمته. والترجمة الآلية عاجزة عن ذلك تماماً.
س) برأيك، ما الذي يصنع من المترجم مترجمًا ناجحًا؟
بالإضافة إلى ما ذكرت في إجابتي على سؤال سابق، هذه هي مواصفات المترجم الناجح:
الأمانة والخوف من الله في النقل الدقيق للمعنى وعدم الخروج عن النص إلا في حالات الضرورة القصوى (كالتجريح والشتم والبذاءة والكفر). فالدقة في النقل أساس مصداقية الترجمة الجيدة.
الإلمام الجيد باللغتين اللتين يترجم المترجم بينهما، ومعرفة أساسيات النحو (على رأسها أساسيات الإعراب، وأنماط الجمل، وغيرها) وعلم الدلالة، وتوارد الكلمات وتلازمها مع بعضهاcollocability / collocation)، والأسلوب ودوره المهم في المعنى في اللغتين كحد أدنى. فصوغ المعنى صوغاً محكما أساس جودة أي ترجمة أياً من كان المترجم أو موضوع الترجمة. والعكس صحيح
الاضطلاع بمهارات الترجمة الأساسية للغتين المعنيتين على حد سواء
فهم طرق الترجمة فهماً دقيقاً بغية نقل المعنى نقلاً دقيقاً في السياق في بعض النصوص، لا نقلاً حرفياً للكلمات مفردة من حيث العدد والصنف القواعدي، بمعنى أن يكون المترجم ملتزماً بالنقل الحرفي (أي الدقيق) للمعنى في السياق، لا للكلمات المفردة خارج السياق. في المقابل، توخي الأمانة في ترجمة نصوص تحتمل ترجمة حرة للمعنى تلتزم بأساسيات المعنى، على ألا يُساء فهم الترجمة الحرة على أنها خروج عن النص والمعنى متى ما شاء المترجم ذلك. فالترجمة ليست فوضى، نترجم ما نشاء كيفما نشاء. هناك أسس وقواعد تشترط على المترجم أن يكوناً على علم بما يفعل، ولا يترجم كيفما اتفق.
معرفة المترجم بدور الأسلوب المهم في المعنى، واضطلاعه - إلى جانب معرفته بالفصحى والعامية - بالأساليب المختلفة للغة، قواعدياً، ودلالياً وصوتياً، بحيث لا يغفل هذا الدور الأساسي أحياناً للأسلوب الذي لطالما أغفله المترجمون في الماضي، عرباً وعجماً. ولو أراد المترجم المهمل للأسلوب أن يعرف مدى أهميته في المعنى، ما عليه إلا أن يتدبر أسلوبياً مدلولات قوله تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
حيازة المترجم على عدد كاف من المراجع والقواميس أحادية اللغة وثنائية اللغة في اللغتين المعنيتين، ولا يجوز الاقتصار على مرجع أو مرجعين، كما يفعل كثير ممن يسمون أنفسهم مترجمين، وهم ليسوا كذلك.
استحواذ المترجم على ثقافة عامة جيدة حول مجتمعه وبلده، وعالمنا المعاصر وما يدور من حولنا من أحداث وأفكار وإرهاصات وإيديولوجيات وقيم اجتماعية وثقافات وسياسات قد تؤثر مباشرة سلباً أو إيجاباً على فهمه لمعنى النص وترجمته، والتعامل مع ترجمة مصطلحاته وتعابيره المختلفة. إذ ما زلنا نعاني من المترجم الجاهل و غير المبالي، والذي يتعامل مع النص بمعزل عما يدور من حوله في العالم الخارجي.
احترام المترجم لجمهور قرائه، وإلمامه بأساليب تجنب إهانته أو إثارة حفيظته. فالتزام المترجم بالحيادية في نقل المعنى بدقة لا يكون على حساب قيم جمهور قرائه ودينه، وثقافته، وقيم مجتمعه الأخلاقية وغيرها. فهو ليس حجراً أصم لا يحس ولا يتأثر بشيء. فالخليج العربي ليس فارسياً، وإن قال النص الأصل ذلك، ونحن مسلمون، لا محمديون، والمسيح عليه السلام رسول الله، وليس ابن الله، والكلام النابي ليس من أخلاقنا، والمرأة المحجبة بحجابها الأسود ليست شبحاً، وهلم جرا. وعلى المترجم أن يدرك أنه مسؤول عن ترجمته، ويتوجب عليه الرد، على الأقل على غرار أسلوب القرآن الكريم الذي ثبت إساءة اليهود وكفرهم (وقالت اليهود يد الله مغلولة)، لكنه رد عليهم الرد القوي المناسب مثلث التوكيد (غلت أيديهم (1) ولعنوا بما قالوا (2)، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء(3)).
س) كيف ترى حال البرامج الدراسية للترجمة، وهل تراها تعد الخريج إعدادًا يلائم سوق العمل؟
لا بد من تغيير القديم منها، ووضع برامج جديدة تلبي سوق العمل كما تلبي التطلعات والطموحات والتغيرات الجديدة في عصرنا التي تفرض على المترجم أن يكون جزءاً من ترجمته. لا حياد في الترجمة في عصرنا هذا.
س) ماذا لو كان القرار بيدك في العالم العربي، ماذا ستقدم للمترجم والمترجمين؟
(لا قدر الله!) أنتقي خيرة المترجمين المتمرسين وأسلمهم أعلى المناصب الأكاديمية والإدارية في مجال تخصصهم بأعلى الرواتب، وأمدهم بكل الإمكانيات التي يحتاجونها، وأترك لهم الصلاحيات واتخاذ القرار بكل حرية في اختيار ما يرونه مناسباً من المناهج لإعداد المترجمين الجيدين لأجيال المستقبل (وهذه من أهم المهام التي توكل إليهم لأننا نحتاج إلى أجيال من المترجمين) والمترجمين العاملين الجيدين، والموظفين، وأتابعهم شخصياً وأحاسبهم وأشرف على عملهم وإنجازاتهم ومستوى مخرجاتهم من الطلاب، والأعمال المترجمة، وأوكل إليهم ترجمة أعمال محددة مفيدة للمجتمع وللطلاب في شتى الأقسام، وعلى رأس هذه الأعمال ترجمة الكتب الجامعية في مختلف التخصصات، مما يمكن طلابنا من تلقي علومهم بلغتهم الأم بالدرجة الأولى، وكل الكتب التي تهم المجتمع.