- رناد الجديد
ترجمة ما وراء النص

شعرتُ بمسؤولية كبيرة ذات يوم خلال أدائي لأحد تدريبات الترجمة الشفوية، والذي كان لخطاب لـ "ملالا يوسفزي" - أصغر فائزة بجائزة نوبل للسلام. هذه المسؤولية انطلقت مع أول كلماتها حين انتصبت شعيرات جسدي تأثرًا وإعجابًا بما قالت. حينها، لم يكن علي ترجمة معاني ما قالت فقط، بل وأيضًا ترجمة أحاسيسها ونقل روحها وشغفها الَّلذين بثّتهما في حديثها!
فالواقع أنَّنا حين نتحدث أو نكتب، هناك دائمًا الكثير مما يختبئ وراء النص ووراء الكلمات المجردة، الكثير مما لايمكن قراءته أو سماعه .. بل الإحساس به فقط! ولا يأتي بنصٍّ كهذا إلا كاتبٌ مبهر أو متحدثٌ بارع، خرج بهذا النص بعد أن بثّ فيه الكثير من شغفه، والكثير من روحه، والكثير منه! فيغدو المترجم أمام نصٍّ ساحر. وفي كل مرة يقرؤه أو يسمعه، فإن النص يبعث له برسائل أخرى من بين السطور، وكأن النص روحٌ نابضة، وهذه الروح هي التي تبعث الرسائل لا الحروف.
لذا .. فإن السؤال الذي قد يدور بذهن المترجم سواءً التحريري أو الشفوي:
هل يمكنني ترجمة المشاعر والأحاسيس كما أترجم النصوص والكلمات؟
يقول سيد قطب في كتابه الظلال:
"إن الكلمة لتنبعث ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها. ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا حين يستحيل هو ترجمة حية لما يقول وتجسيماً واقعياً لما ينطق. عندئذ يؤمن الناس ويثقون بها ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، ﻷنها حينئذٍ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها تستحيل يومئذٍ دفعة حياة لأنها منبثقة من حياة" نعم .. تلك هي الإجابة ..إننا معشر المترجمين قادرون على منح النصوص الحياة .. بشرط أن نلدها من حياة! .. أي من "قلب حيٍّ نابض يؤمن بها" .. ومن فكر وعقل يتبناها ..
لذا في المرة القادمة ياصديقي المترجم، حين تختار ترجمة شعرٍ، أو نصٍّ أدبي، أو خطابٍ ملهم، تيقّن من أنك قادرٌ على قراءته قبل أن تبدأ بترجمته، ولا أقصد القدرة على قراءة النص، بل قراءة ما وراء النص. لأنك إن لم تستطع، فلربما تسببت ترجمتك له بقتله بدلًا من ولادته!