top of page
  • د. نهى العويضي

الترجمة والسياسة - الجزء الأول


سُيّسَت الترجمة عبر التاريخ وطُوّعَت بطريقة تخدم قضايا سياسية، سواء بواسطة القادة المستعمرين أو الثائرين الوطنيين. نستعرض في المقالين التاليين معسكرين، أحدهما: استخدم الترجمة كسلاح مقاومة لإثبات الهوية، والآخر استغلالها لبسط الهيمنة والسيادة والتوسع.


  1. الترجمة والهوية والافتراس

في عصر الاستعمار الأوروبي وهيمنة البورجوازية الأوروبية على الأدب وتهميش مصادر الأدب الأخرى ثار البرازيليون وعبروا عن ثورتهم بأسلوب جديد في الترجمة مبني على مفاهيم: إعادة الإبداع وإعادة الكتابة والتحويل عبر-الثقافات، مطبقين بذلك نظرية الترجمة القائمة على فلسفة أكل لحوم البشر، حيث يلتهم المترجم النص المصدر، ليخلق نصاً آخر يمثل حياة جديدة للنص الأول، ماراً بذلك عبر ثلاث مراحل : مرحلة الامتصاص ومرحلة التحويل فمرحلة إعادة الخلق. فيتسم النص المترجم بروح المترجم البرازيلي وعبق الأرض البرازيلية.


في عام 1928 تحديداً قام اوسوالد دي اندرادو (Oswald de Andrade) بكتابة البيان الرسمي لحركة اكلي لحوم البشر (Cannibalist Manifesto). وتعد الترجمة بالنسبة لهذه الحركة ـ عملية تحويل وفعل افتراس ـ نشاط سياسي بامتياز وعملية إعادة بناء الهوية الثقافية والقومية وتأكيدها في عصر ما بعد الاستعمار، أي وسيلة لرفض هيمنة الموروث الأوروبي وتأكيد حق المثقف البرازيلي في إعادة قراءة الآداب الأوروبية العظيمة وتملكها.


وشكل هذا التصور الجديد للترجمة أدب الحداثة في البرازيل حيث ابتدع دي اندرادو أسلوبا جديدا ومميزا يعبر به عن مقاومة الاستعمار وتعزيز القومية البرازيلية متمثلة في البدائية القبلية منتقدا بشدة الهيمنة الأوروبية على الثقافة في البرازيل ويطالب المجتمع المثقف البرازيلي بتشكيل هوية مميزة في عصر ما بعد الاستعمار.


وعلى سبيل الاستعارة البلاغية قدم دي اندرادو أمثلة لعملية الافتراس اللغوي فيقول عندما يترجم المترجم البرازيلي نصا لشكسبير فإنه يأكله ويفهم نصه هضما ثم يعيد خلق نص برازيليا قلبا وقالبا. والجدير بالذكر أن اختيار مصطلحات الافتراس وأكل لحوم البشر جاءت كسخرية من النظرة الأوروبية للقارة الأمريكية بأن أهلها همج وبربر وبدائيون. في المحصلة استفاد البرازيليون من الآداب الأوروبية وترجموها وأضافوها الى موروثهم الأدبي بصبغتهم المحلية.


وعلى سبيل التخيل، ماذا لو ترجم أحد الشعراء السعوديين قصيدة شكسبير الشهيرة Shall I compare thee to a summer's day بأسلوب الافتراس وقضى على أي أثر لشكسبير وأعاد إحياء النص "نبطياً"؟ ما رأيكم!!!


٣٣٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page