- روان بدر
اللغة والفكرة

واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعه.. الأرقام التي نعرفها ونتعلمها صغارا ونستخدم أصابعنا للتعبير عنها حتى قبل أن نلفظها بوضوح. قضى الباحث وعالم اللغويات دانيال إيفرت تسعه أشهر في محاولة تعليمها لأفراد قبيلة البيراها - قبيلة تسكن ادغال الامازون - بلا فائدة، فلم يتمكن أي واحد منهم من العد من واحد لعشرة ! يعتقد إيفرت أن السبب وراء ذلك لم يكن قلة ذكاء البيراها ولا قصورًا في لغتهم التي تبدو دقيقة عندما يتعلق الأمر بالكلمات التي تخص بيئتهم ومحيطهم ولا انعزالهم، فهم يختلطون بالقبائل المجاورة لهم .إنما كان السبب هو أن مفهوم (العد /الارقام) - الذي نعتقد أننا مضطرون إلى استخدامه في أي حوار طبيعي - لا يُلقي له شعبُ البيراها أي اهتمام. إذ أن النظام الرقمي ببساطة لا يحمل أي قيمة في ثقافتهم ولا يؤثر غيابه في أسلوب حياتهم. لذا صار من الصعب عليهم تعلم ألفاظ فكرة لا توجد عندهم. كيف ننقل فكرة لا توجد؟
الألفاظ تتولد من الثقافة، وحين تركز ثقافة ما على فكرة معينه ستزخر لغة هذه الثقافة بالمترادفات للتعبير عنها وعلى العكس عندما تهمل الثقافة هذه الفكرة فغالبا ما يتم تجاهلها أيضا في اللغة. هذه العلاقة بين توجهات الثقافة وتوفر الكلمات ملحوظه بنسب متفاوتة بين اللغات والثقافات المختلفة وإن كانت هذه العلاقة قد تمثلت في أجلى صورها في حالة البيراها والأرقام .
تسمى هذه الظاهرة – أعني وجود كلمة لفكرة في لغة ما وغيابها في لغة اخرى - في الترجمة بـ ( الكلمات غير القابلة للترجمة untranslatable words) ومع أن "عدم القابلية للترجمة" هو موضوع لا يزال مثيرا للجدل - إذ يرى البعض أنه مجرد غياب ترجمة كلمة مقابل كلمة، ويرى آخرون أنها فجوة حقيقية وأن الشكل المنقول عن الكلمة لا يمكن أن يفي بمعناها - فإن الاطلاع على هذه الكلمات يشبه التعرف على فكرة جديد ..فكرة موجوده لكن لم يسبق أن القينا لها بالا.. تماما كما لو أننا نتعلم العد على أصابعنا.
يقول تيم لوماس في مقاله سحر الكلمات غير القابلة للترجمة: "إن مصطلح غير قابل للترجمة ينبهنا إلى أن هناك شيء ما في العالم قد لا تكون ثقافتنا لاحظته أو حللته بعمق إلا أن هناك ثقافات أخرى قد فعلت ذلك".
المراجع: