top of page
  • آلاء باهبري

الدبلجة "الموضوعية": الاتجاه نحو المستقبل


الدبلجة هي عملية ترجمة الأعمال الدرامية صوتياً وتركيبها على شفاه الشخصيات. كانت بداياتها مع أفلام الكرتون، ثم دخلت للأعمال الدرامية.

ارتبطت الدبلجة، محلياً، بروائع أفلام الكرتون والمسلسلات الكرتونية من اليابان والولايات المتحدة إلى العالم العربي، وهي التي كونت عقلية جيل كامل وثقافته من الأطفال - الناضجين الآن - الذين ما زالوا يذكرون مغامرات سندباد، وجد هايدي وحقولها، وجزيرة عدنان ولينا، ومرح تيمون وبومبا وتجاوزاتهم لصعوبات الحياة.

وقد كانت الدبلجة أحد أهم عوامل نجاحه : تخيل أن تلك المسلسلات والأفلام تُرجمت ترجمةً مكتوبةً في شريط سفلي، أو كان ليتمون صوتَ إنجليزي، وكان اسم عدنان: كونان، هل كانت لتمر إلى قلوب الأطفال بتلك السلاسة والجمال. هنا سر الدبلجة: إزالة حاجز اللغة الثقافي، فحين تستمع إلى لغتك، فعقلك يشعر بالانتماء لما يعرض، فكيف إذا كانت قصة محبوكة؟!

وكانت اللغة الفصحى هي لغة الدبجلة لأفلام الكرتون، ثم نشأت اتجاهات حديثة نَحتْ نحو اللهجات المحلية. ومن أبرز تلك الأعمال الأسد الملك الذي دُبلج باللغة المصرية. وامتد هذا الاتجاه حتى نحو الأعمال الدرامية غير الكرتونية لتكون بالعاميات العربية المختلفة بدلاً من الفصحى.

و هنا لا بد من أن نطرح سؤالين:

ما إشكالية أن ندبلج باللهجات المحلية؟

و الحقيقة أن هناك إشكاليتين رئيسيتين:

الأولى: أن المشاهد لم يعد بسيطاً: ذلك أن استخدام اللهجات المحلية في سياقات بعيدة تماماً عن بيئتها يرفع حاسة النقد كثيرا، فالمشاهد يشعر بالفجوة وبعدم الواقعية بين الصورة والصوت، وهو ما واجهه كثيرٌ من الأعمال الدرامية الحديثة التي تحولت إلى ما يشبه النكتة.

الإشكالية الثانية: أن كثيراً من خبراء علم الاجتماع والمختصين بالعولمة يشيرون أنها تسهم في عملية الاختراق الثقافي، بسبب أن حاجز اللغة زال، فزال معه كثير من التمايز الثقافي، مما يسهم في تمرير الصورة باعتبارها جزءاً ثقافياً أصيلاً للمشاهد بسبب الانتماء اللغوي. فكم من فتاة عربية في طرف صحراء حلمت بأن تكون تلك الليدي الأرستقراطية في مجتمعٍ ليس في نظامه الاجتماعي تلك الطبقة أصلاً !

وهنا يَطرح السؤالُ الثاني نفسَه: ماذا يفترض عليّ أن أفعل كمدبلج؟

و في رأيي هنا أن المدبلج أمام مسؤولية ثقافية، ومسؤولية مهنية، وعليه أن يوازن بينهما، ويجعل هدفه نقل المعنى وتمثيله مع مطابقة الشفاه، مع حرصه على التمايز الثقافي، عبر عدة أمور كاستخدام اللغة البيضاء، ليست فصحى تماماً ولا عامية مرتبطة ببلد معين، وبُعدِه عن تغيير الأعلام - أسماء كانت أم أماكن - وبُعدِه كذلك عن استخدام الأمثال والتعبيرات المحلية، للتأكيد على بعد العمل الدرامي.

موجة الدبلجة المحلية - في رأيي - ستنتهي كما أنتهت مثيلاتها في مجالات أخرى في الترجمة، فالمنفلوطي غير قصصه التي ترجمها وجعلها محلية "عربية"، وفي ذلك الزمن أشاد به البعض باعتباره قرب الثقافات، إلا أن  الزمن تجاوزه إلى الترجمة الموضوعية، لأن الاتصال الثقافي المتكافئ هو الذي يعي فيه الفرد المتصل حدود الثقافتين وتمايزهما، وهو الذي يرغب به المشاهد لواقعيته، وهو الاتصال الثقافي الصحي المطلوب.


٢٣٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page