- روان بدر
الضحك بلغات مختلفة

في قناة أطفالٍ محلية يظهر فيلم كرتوني توعوي مدبلج عن الحفاظ على الماء، وفي نهايته تُعرض إحدى الشخصيات الكرتونية تقول نكته:
- ماذا قال البحر للشاطئ؟
- لم يقل شيئا، فقط تموّج !!
لم يضحك الأطفال في الاستديو، ولا الأطفال من خلف الشاشة، وما يزالون في انتظار النكتة.. ولم يضحك أحد إلا الشخصية الكرتونية.
النكتة بالأصل قبل ترجمتها :
- What did the sea say to the shore?
- Nothing, it just waved
تعتمد هذه النكتة على كون كلمة "wave" في اللغة الإنجليزية قد تعني (تموّج/موجة) أو تعني (لوّح/تلويح).
أين يكمن الخطأ إذاً.. في الترجمة؟ أم في نوع النكتة؟ أم في الجمهور؟
إننا نفترض أن حس الدعابة مشترك بين جميع البشر باختلاف لغاتهم. ما الفرق إذا كنت هنديا أو صينيا أو عربيا إذا ما تعلق الأمر بالضحك من نكتة جيدة إنْ تُرجمت لك ترجمة صحيحة، أليس كذلك؟ إذا كان هذا صحيحا، فكيف نفسر المرات العديدة التي تصيبنا فيها الحيرة ونحن نشاهد برنامجا كوميديا أجنبيا ونسمع أصوات الضحكات من جملةٍ لا يوجد فيها ما يدعو للضحك، بالرغم من أن هذا النوع من البرامج يُترجم عادة في معامل متخصصة في هذا النوع من الترجمة وعلى يد مترجمين محترفين.
في الواقع تُعد ترجمة النكتة من أصعب أنواع الترجمة. فحتى عند تعلم لغةٍ جديدةٍ، فإن فهم النكتة مرحلة متقدمة، وهي تعني أن المتعلم قد بدأ يفهم الطريقة التي تعمل فيها الكلمات ودلالاتها الثقافية. ولا تتمثل صعوبة الترجمة فقط في الجانب اللغوي، بل ينبغي أن تُراعى الجوانب الثقافية أيضا. فما يبدو مضحكاً في ثقافة ما قد يكون مهينا، أو ببساطة غير مضحك في ثقافة أخرى، حتى عند الاشتراك في اللغة. قسْ على ذلك اختلاف حس الدعابة الأمريكي عن نظيرة البريطاني، بالرغم من أن اللغة واحدة. وبإمكاننا ملاحظة هذه الفروق عندما نشاهد حلقة من النسختين البريطانية والأمريكية للمسلسل الكوميدي الشهير "المكتب The Office". فالنسخة البريطانية أكثر سوداوية من النسخة الأمريكية، بالرغم من اشتراك النسختين في اللغة، والمكان الذي كان التصوير فيه، والشخصيات. كما أن معظم النكات تعتمد جزئياً أو كلياً على التلاعب بالكلمات، إذْ تكون أصوات الكلمات ومعانيها جزءاً أساسياً من النكتة، وهو ما سيَضيع تماما عند نقلها إلى لغة أخرى. وتعتمد بعض النكات أيضا على التاريخ الخاص بأمة من الأمم مما يضطر المترجمين إلى إعطاء شرح مطول في محاولة إيصال المعنى للمتلقي الغريب عن هذا التاريخ، وهو ما سيفسد النكتة حتما.
إن هذا المزيج الفريد للنكتة - اللغة والثقافة والتاريخ - هو ما يجعل ترجمتها، دون أن تُفقِدها روحها، أمر شبة مستحيل. جميعنا سيضحك إذا سمعنا نكتة جيدة، إلا أننا على ما يبدو نضحك بلغات مختلفة ..