top of page
  • بشير زندال

موت المترجم


Copy Rights: insajderi.com

منذ أن بدأت حركة النقد الأدبية تخطو خطواتها القوية في القرن العشرين وموضوع الترجمة هامشيٌ في النقد. توسعت مدارس النقد واقتربت وتداخلت مع اللسانيات والفلسفة وعلم الاجتماع، وظلت الترجمة بعيدة عن الاهتمام، عدا بعض الإشارات هنا وهناك، أو دراسات متفرقة افتقرت إلى تأسيس نظرية ترجمية واسعة بإمكاننا تاريخيا مقارنتها مثلا بالبنيوية أو التفكيكية. وعلى ذكر البنيوية، فرغم أن الزمن قد عفا عليها، فإنها كانت أكثر المدارس انتشارا من تيارات النقد بأكملها. وكان رولان هو فارسها وفارس النص كما كان يصر على تسميته عبد الله الغذامي. وكان (موت المؤلف) الذي قدمه بارت أشهر حدث نقدي في القرن العشرين، وقد أُشبع دراسة ونقدا، وعُدّ حدثا مفصليا في فلسفة النقد على أن المؤلف لم يمت إلا لدى النقاد البنيويين، وظلّ قويا صامدا لدى مناهج نقدية أخرى، بل لدى القارئ نفسه، وهو الفيصل دائما في عملية القراءة.


‎ يُعد المترجم أضعف حلقة في تاريخ الحركة النقدية، فلم يهتم أحد لا بحياته ولا بموته كما اهتموا بالمؤلف. ويعاني المترجم من موت حقيقي دائم في الحركة المعرفية، على خلاف المؤلف الذي عانى بعض الوقت من موت معنوي فقط.


في أي كتاب مترجم يقرأه أي قارئ نادراً ما يحظى اسم المترجم بالاهتمام، ومن هو، وما رصيده من كتب مترجمة أخرى، بل يُتخطى اسمه إلى اسم المؤلف فهو (الخالد)، أما المترجم فهو (الفاني). وعملية إعدام المؤلف كانت فلسفية وفي صفحات النقاد البنيويين، أما عملية موت المترجم فهي دائمة منذ القدم. وأعجوبة السرد في كل زمان ومكان - ألف ليلى وليلى - لم نعرف من ترجمها. ولو سألت أي قارئ عن آخر كتاب قرأه بلغة أجنبية ومن هو مترجمه لأجابك بأنه لا يتذكر. فقط نخبة النخبة هم من يهتمون بأسماء المترجمين في الأعمال الأدبية، وفي حالة الرواية المكتوبة بالإسبانية ظهر اسم "صالح علماني" اسما معروفا يطلبه بعض القراء. ولكن "علماني" حالة نادرة واستثنائية لا يحكم على موت المترجم بها.


في معارض الكتاب أو في المكتبات، حين يمر القارئ بسرعة، فإن عينيه يمسحان عنوان الكتاب واسم المؤلف، وأحياناً كثيرة ما يلفت اسم المؤلف انتباه القارئ فيتوقف لمطالعة الكتاب وربما اشتراه. ونلاحظ في الطبعات التي تصدر لكُتّابٍ كِبار - سواء في اللغة العربية أو في اللغات الأخرى - أن بعض الكتاب لشهرتهم فإن الناشر يركز على أن يكون اسم المؤلف بارزا جداً، وأحيانا أكبر من عنوان الكتاب نفسه، وهذا ينافي تماما جزئية "موت المؤلف" التي حاول بارت أن يجعلها منطلقه لتشريح النص. لقد ظل اسم المؤلف باقيا حيا ولم يمت لدى القارئ، إلا أن اسم المترجم لم يعش من قبل حتى ينتبهوا لموته ويثيروا ضجة حوله كما ثارت ضجة حول موت المؤلف.


٤٠٣ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page