top of page
  • تسنيم الغامدي

المصطلح العلمي


اللغة العربية من اللغات الحيّة التي كانت تنمو وتتطوَر مع كل مرحلة حضارية يمر بها المجتمع العربي. كانت مفرداتها وعاءً لمصطلحات مختلف العلوم، التي كشفت عن مرونة اشتقاقاتها وطاقاتها على التعريب والتفاعل مع اللغات الأخرى. وفي كل مرحلة حضارية جديدة كانت تزداد الحاجة إلى الوضع والاصطلاح. لذا شهدت اللغة العربية فيضًا من المصطلحات الجديدة في العصر الإسلامي وما تلاه في عصور ازدهار الترجمة والعلوم. وكل هذا يؤكد، دون شك، على قدرة اللغة العربية على احتواء مصطلحات العلوم والتقنية ومجاراتها. ونظرًا لحركة التطور العلمي السريع التي يشهدها العالم، لا بد من الاهتمام بعلم المصطلح حتى يمكن للغة العربية أن تواكب طوفان المصطلحات الجديدة بمرونة وسهولة أكبر مما نحن عليه الآن. وفي هذا المقال، طرحنا الأسئلة التي قد تتراءى لكم عند ذكر المصطلح العلمي لعله يكون مدخلًا لهذا العلم.



أولًا: ما هو مفهوم الاصطلاح والمصطلح العلمي

مفهوم المصطلح والمدلول المعجمي لهذه المادة هو التصالح والتسالم، فكأن الناس اختلفوا عند ظهور مدلول جديد على تسميته، فذهب فريق من القوم إلى إعطائه اسمًا، واقترح فريقٌ آخر دالًا مغايرًا، وارتأى فريقٌ ثالث تسمية مباينة؛ وكان من نتيجة هذا اختلاف القوم واحتدامُ ما بينهم، إلى أن تصالحوا وتسالموا على تسميةٍ واحدة لذلك المدلول. فالاصطلاح يتطّلب الاتفاق، لأن التسمية الجديدة لا يمكن أن تدخل حيِز اللغة إلا إذا كانت محل اتفاق أصحاب هذه اللغة.


أما المصطلح العلمي فهو: لفظ اتفق العلماء على اتخاذه للتعبير عن معنى من المعاني العلمية، فـ (التصعيد) مصطلح كيمياوي، و(الهيولى) مصطلح فلسفي، و(الجراحة) مصطلح طبي، و(التطعيم) مصطلح زراعي. فالمصطلح "لفظ يصطلح عليه أهل العلم المتخصصون للتفاهم والتواصل بينهم". وقد ورد هذا التعريف في توصيات مجلس مجمع اللغة العربية في دورتيه: الستين والحادي والستين.


إلا أنّ هذه التسمية (اصْطِلاح) أو (مُصْطَلَح) لم ترجْ بسرعة. ويتضح ذلك من المدلولات المختلفة التي استخدمها العلماء والكتاب على مر السنين، حتى راج هذا المصطلح وشاع. وسنوضح انتقال هذه التسمية (المصطلح) خلال عدة قرون في النقاط التالية:

الجاحظ (225 هـ) أول ما وصل إلينا عن استعمال الفعل المزيد (اصطلح) ما جاء في كتابه (البيان والتبيين) في حديثه عن المتكلّمين أنهم "اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم".

والرازي (322 هـ) سمّى كتابه في المصطلحات الإسلامية (الزينة في الكلمات الإسلامية) وغيره ذهب إلى استعمال الألفاظ في موضع المصطلحات كما ذهب صاحب كتاب (المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين) وإلى مثله ذهب الفاربي (350 هـ) عندما وضع كتابًا في مصطلحات المنطق سماه (الألفاظ المستعملة في المنطق).

أما الكندي (260 هـ) فقد أورد مصطلحاته في كتاب سماه (رسالة في حدود الأشياء ورسومها). ومن الطريف أن المعنى الأصلي لكلمة Terms الأجنبية في العربية، التي تعني المصطلحات، هو الحدود.

ولم تستقر تسمية المصطلح في لغتنا إلا بعد قرون؛ فـ الفيروزابادي (817 هـ) صاحب (القاموس المحيط)، وابن منظور (711 هـ) صاحب (لسان العرب) لم يذكراه. إلا أن الجرجاني (816 هـ) أورد له تعريفا، على أنه سمّى كتابه (التعريفات) ولم يسمه (المصطلحات) أو (الاصطلاحات) مع أن كتابه يمكن عدّه من المعجمات المبكرة للمصطلحات. في حين أن الشهاب العمري (749 هـ) سمّى كتابه (التعريف بالمصطلح الشريف) وكان التهاوني (1185 هـ) أشهر من روج هذا اللفظ الموّلد عندما سمّى كتابه في المصطلحات (كشاف اصطلاحات الفنون).



ثانيًا: أهمية المصطلح

المصطلحات هي مفاتيح العلوم، كما عبّر عنها الخوارزمي. وقد قيل إن فهم المصطلحات نصف العلم، لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم، والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في شكل منظومة. ومن ناحية أخرى، فإن المصطلح ضرورة لازمة للمنهج العلمي، إذ لا يستقيم منهج إلا إذا بُني على مصطلحات دقيقة، حتى إن الشبكة العالمية للمصطلحات في فيينا بالنمسا اتخذت شعار (لا معرفة بلا مصطلح). وقد أدرك العرب القدماء أهمية المصطلح ودوره في تحصيل العلوم. فقال القلقشندي المتوفى عام (821هـ) في (كتابه الأعشى): على أن معرفة المصطلح هي اللازم المحتّم والمهم المقدّم، لعموم الحاجة إليه واقتصار القاصر عليه.


إن الصنيعةَ لا تكون صنيعةً حتى ُيصاب بها طريق المَصْنعِ

ونوّه التهاونيّ في مقدّمة كتابه المشهور (كشاف اصطلاحات الفنون) الذي جمع فيه أهمّ المصطلحات المتداولة في عصره وعرّفها، بأهمية المصطلح فقال: "إنّ أكثر ما يحتاج به في العلوم المدوّنة والفنون المروَّجة إلى الأساتذة هو اشتباه الاصطلاح، فإنّ لكلِّ عِلم اصطلاحاته، إذا لم يُعلم بذلك لا يتيسر للشارع فيه إلى الاهتداء سبيلًا ولا إلى فهمه دليلًا".


ثالثًا: وضع المصطلحات

بعد هذه التعريفات لمفهوم المصطلح، سنتطرق إلى الطرائق التي واجه بها المحدثون تعريب هذا السيل منها. ويقول في ذلك الدكتور أحمد العيسى وهو من أوائل من أسهموا في التعريب في مطلع هذا القرن – تنظيرًا وتطبيقًا: "ولنا في ذلك خمس وجهات نولّي وجوهنا شطرها، واحدة بعد أخرى، أو نحوها جميعًا بحسب الضرورة، فلا نلجأ إلى أشدها خطرًا إلا بعد أن نكون قد بذلنا الجهود واستوعبنا الفكر في استكناه كل وسيلة قبلها، فإذا عجزنا فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه الوجهات أو الوسائل المؤدية للغرض هي، بحسب الترتيب المبني على درجة التسامح أو الخطر: الترجمة، فالاشتقاق، فالمجاز، فإذا حصل العجز ينحت، وإذا حصل العجز يُعّرب اللفظ". وذهب بعض المحدثين إلى أن تلك الطرائق هي "القياس والاشتقاق والقلب والإبدال والنحت والارتجال والتعريب" لكن هذه الأقوال، وإن جمعت عموما بين مختلف طرائق وضع المصطلحات، ففي عرضها نوع من التداخل والخلط؛ ويعود ذلك إلى أن من وضعوها لم يكونوا لغويين. لذلك جعل الدكتور ممدوح في كتابه طرائق وضع المصطلحات في ثلاث فصول :

1 - الترجمة: لما كان له مقابل عربي معروف.‏

2- التوليد: وهو وضع لفظ جديد مقابل للمصطلح الأجنبي.‏

3- الاقتراض: وهو إما بالتعريب اللفظي وإما بالتدخيل.‏


وفي الختام، إن وضع المصطلحات العلمية عملٌ لا يتيسر لكل إنسان، وعلى من يمارسه بحثًا وتدريسًا وتنقيبًا، أن يكون ملمًا بثقافة واسعة، تمكنه من إدراك ماهيته، ومن التحكم في استعماله، لأن ذلك يعني التحكم في العلم نفسه، من حيث موضوعه ومنهجه وقضاياه ولعلنا بتسليط الضوء عليه نفتح لمن أحب هذا العلم بابًا وضوءًا هدى.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجــــــــــــــــع

1- كتاب المصطلح العلمي في اللغة العربية، أ. د. رجاء دويدري.

2- كتاب علم المصطلح، الدكتور علي القاسمي.

3- كتاب علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية، د. ممدوح خسارة.

4- رسالة ماجستير "واقع المصطلح العلمي بین الترجمة والتعریب"، فادية كرزابي .


٥٬٩٥٨ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page