top of page
  • فاطمة عبدالله الغفيلي

الترجمة.. وأشياء أخرى


الترجمة، ذلك العلم الواسع والمنفرد بذاته، ولأن هذا العِلم من أقدم العلوم التي احتاجتها البشرية جمعاء منذ أن جعلنا الله في هذا العالم الواسع بإلسنةٍ مختلفة، فقد طرأت الحاجة لوجود المترجمين المحترفين في جميع أنواع الترجمة المختلفة وفي شتى المجالات العلمية. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).

ومن أبسط التعاريف في الترجمة وأكثرها اختصارًا وأدقها هو: "الترجمة هي نقل نِتاج لُغوي من لغة إلى أخرى."

معشر المترجمين، أولئك الجنود الخفية المختبئة بين لغات العالم المختلفة! قد تختلف مهامهم وتوجهاتهم باختلاف جهودهم في جميع المجالات العلمية والحياتية، ولكن تظل غايتهم واحدة. ولا شك أن المترجمين يتشاركون الأهداف نفسها منذ بدء حركة الترجمة في العصر العباسي وحتى يومنا هذا، ألا وهي نقل الثقافة والعلم والمعرفة بين اللغات والشعوب جميعًا.


أُلاحظ - شخصيًا - أنه يوجد بعض الاهتمامات التي يتشاركها بعض المترجمين، وقد رأيتها في ذلك العالم الصغير من حولي بصفتي طالبة ترجمة، وقد تختلف بالطبع من شخصٍ إلى آخر، ومن الممكن أن تكون ضرورة أكثر من كونها هواية في بعض الأحيان.




١- الترجمة والقراءة.

نعم القراءة! بطبيعة الحال معظم المُترجمين قُراء، باختلاف درجات قراءتهم وبمدى حبهم للقراءة وبحسب مهارات الاستيعاب والتحليل، وباختلاف أنواع الكتب أو النصوص. ولا شك أنك لن تستطيع البدء في ترجمة أي نص دون فهم النص المصدر لتبدأ بعد ذلك عملية الترجمة إلى النص الهدف، ولا تقف هذه العملية عند نقل معاني الكلمات فقط؛ بل نقل الأثر نفسه الذي يحققه النص الأصلي في نفس القارئ. حيث إن القراءة لها ذلك التأثير العظيم المُثري والفوائد العديدة على البشر عامة وعلى المُترجمين خاصة مثل:

  • تقوية الذاكرة.

  • تُكسبك المعرفة والخبرات الجديدة.

  • تساعد في تطوير لغتك.

  • تقوية مهارات التفكير التحليلي.

  • التوسع اللغوي: ذلك أنها حتمًا ستُكسبك عددا هائلا من المفردات الجديدة والمتنوعة.

  • تُحسن مهارات الكتابة.

فإن كنت مترجمًا، وما زلت لا تحب القراءة، أنصحك بالبدء من اليوم بالنصوص والكتب البسيطة والتي تناسب اهتماماتك!

وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في حب القراءة حيث شبه الكتاب بذلك الصديق الوفي:

“أنا من بدل بالكتبِ الصحابا

لم أجد لي وافيًا إلا الكتابا صاحب إن عبته أو لم تعب

ليس بالواجد للصاحب عابا..”

٢- الترجمة والكتابة.

بدأ الإنسان الكتابة عن طريق الرسم أولًا ثم تطورت هذه الرسوم والرموز إلى أحرف. وتعد الكتابة من أهم وسائل التواصل في العصور الماضية، وليست الكتابة عند بعضهم سوى مهرب لتدوين المشاعر والأحاسيس والأفكار. فبالكتابة يمكننا نقل فكرٍ وتغيير منطقٍ وتوثيق موقفٍ أو حكايةٍ أو يومياتٍ بسيطة قد تُمحى على مر السنين إن لم تُوثّق بحبرٍ وورق. (أو بنصوص Word أحيانًا!)

أن الكتابة أمرٌ حتمي على جميع المترجمين، وبالطبع بين القراءة والكتابة علاقة كاملة متكاملة. فلن تستطيع إظهار جماليات ترجمتك، دون الإملاء الصحيح وحسن انتقاء المفردات والتعابير اللغوية! فإن جميع المترجمين قراء وكتاب بطبيعتهم.



٣- الترجمة والقهوة!!!

القهوة، ذلك المشروب المفضل لدى الكثيرين. يعد اليوم من أكثر المشروبات شعبيةً في جميع أنحاء العالم. قد تكون هذه النقطة شخصية بعض الشيء! ولكن يجدر بي ذكر هذه النقطة من باب "التقدير" لكوب القهوة الذي أرتشفهُ يوميا. أكاد أُجزم أن معظم المترجمين يميلون إلى شرب القهوة باختلاف أنواعها. الجدير بالذكر أن يوم القهوة العالمي (١ أكتوبر) يتبع يوم الترجمة العالمي (٣٠ سبتمبر) بيوم واحد فقط! فكيف لك أن تركز وتنتج وتغوص بين الأسطر والنصوص، دون كوبٍ ساخن من "الإسبريسو"؟ بنكهتها السلسة والمُرّه، يمكنها أن تساعدك على بدء العمل بنشاط، وتمنحك الطاقة، وبما أن الكافيين الموجود في القهوة منبهٌ لطيف، يمكنه أيضًا أن يساعدك في تحفيز القدرة على التركيز، ذلك أنه يؤثر إيجابيًا على المزاج ومهارات الإدراك والتنبؤ لدى الفرد.



٤- الترجمة والعلوم الأخرى.

تتداخل الترجمة وجميع المجالات في الحياة دون استثناء. وقد بُنيت الترجمة على ركائز ومقومات عدة، ومن أهمها: نقل الثقافات والعلوم من لغة إلى أخرى. ففي العصر العباسي وفي مكتبة دار الحكمة (حيث نشأت الترجمة واقترن بيت الحكمة بالترجمة ولا يمكن ذكره من دون ذكر الترجمة). تُرجمت العديد من الكتب والنصوص في مجالات كثيرة ومختلفة، ترجمها رواد وعلماء في الترجمة، وهم الذين تولوا عملية النقل والترجمة في زمن المنصور والرشيد والمأمون، ومنهم: يحيى بن البطريق (يسمى بيوحنا الترجمان) وعبد الله بن المقفع (ترجم العديد من الكُتب، وبقيت الكتب التي نقلها عن الفارسية أو الهندية أو اليونانية مرجعًا لأنّ الكتب الأصلية ضاعت!) ويوحنا بن ماسويه (تولى مهمة ترجمة كتب الطب القديمة) وعمر بن شبة (قد أجمع كل من ترجم له على أنه صادق اللهجة)، وحنين بن إسحاق (يعد من كبار المترجمين وقام بترجمة أعمال جالينوس وأبقراط وأرسطو من اليونانية) وغيرهم من علماء الترجمة الكبار. وبالتأكيد فقد تطورت العملية في عصرنا الحديث إلى ترجمة المحتويات الفنية والصوتية والمرئية وغيرها.



وما زالت الترجمة، ذلك العلم المُثري بركائزة الثابتة منذ القِدم، مؤثرةً حتى يومنا هذا. وستظل الترجمة تلك الضرورة المُلحة في عالمنا، ولن يُبدل وجود معرفة المُترجم البشري وشعوره وإدراكه أي شكل من أشكال الترجمة الآلية ولو مضت السنين.





"The translator must be a great editor, a psychologist, a judge of human taste; if not, his translation will be a nightmare. But why should a man with such rare qualities become a translator? Why shouldn't he be a writer himself, or be engaged in a business where diligent work and high intelligence are well paid? A good translator must be both a sage and a fool. And where do you get such strange combinations?"

— Isaac Bashevis Singer

- مرجع


٢١٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page