top of page
  • آلاء باهبري

هل أسهمت الترجمة الإعلامية في النمو الثقافي؟ شيء من النقد للترجمة الإعلامية


دائماً ما ينظر إلى الترجمة باعتبارها سببا مهمًا في الإثراء المعرفي بين الثقافات، ذلك أنها، على مدار التاريخ، أدّت دورًا بارزًا في تحفيز الثقافات المختلفة للنمو وتطوير الأفكار عبر التعرف على نماذج معرفية جديدة ومختلفة.

لكن هل أدت الترجمة هذا الدور في العولمة الإعلامية اليوم؟


يجيب كثير من المختصين بـ لا.  


ولنتحدث عن ذلك بصورة أوضح: العولمة الإعلامية هي عملية انتقال المعلومات عبر وسائل الإعلام انتقالا عالميًا. هذا الانتقال كانت الترجمة فيه هي الوسيط الأكبر، فقد تُرجمت الأفلام والبرامج والأخبار في وكالات الأنباء والمواد المسموعة على نحو مكثف، وهو ما أحدث آثارًا عديدة، ليس من بينها النمو المعرفي المثرى من الثقافات الأخرى، بل أنتجت الترجمة في العولمة الإعلامية عددًا من الظواهر التي قد تكون مضادة للنمو. أهم هذه الظواهر - كما يشير الباحثون والناقدون - هي:


التدفق الإعلامي غير المتزن

ولأن الترجمة كانت لثقافة واحدة ومن مصدر واحد، حدث ما يعرف بـ"التدفق الإعلامي" من الشمال إلى الجنوب فقط، أي من الغرب إلى الشرق. وعلى نحو أدق، تزعمت الولايات المتحدة  تصدير المواد الإعلامية.

وكلمة التدفق لها مدلولها، إذْ إن وصول المواد الإعلامية للثقافات كان أشبه بانسكابٍ مستمر وضخم لسائل - هي المواد الإعلامية هنا - وهذا يعني أن أغلب الثقافات في العالم اليوم تتعرض للمواد الإعلامية المترجمة من ثقافات أخرى وعلى نحو مكثف لم يَسبق له مثيل تاريخي في الاتصال الثقافي.

وبالتأكيد حاولت الدول أن تحد هذه الظاهرة عبر اتفاقيات وإعلانات لدى اليونسكو كان أبرزها إعلان الينوسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي يؤكد أن لكل دولة الحق في تثبيت هويتها الثقافية، ومنع المواد التي تخترق ثقافتها. إلا أن مثل هذه الجهود لم تنجح نجاحا فاعلا في حماية الهويات الثقافية، لذا بدأت بعض الدول بالوقوف في وجه هذا التدفق عبر إنتاج المواد الإعلامية المحلية ونشرها على مستوى عالمي، وهو ما نراه في المواد الإعلامية القادمة من اليابان وكوريا والهند التي تحاول زحزحة المواد الإعلامية الأمريكية.


التبعية الإعلامية

أدى التدفق الإعلامي الضخم من الشمال إلى محاولة المؤسسات الإعلامية المحلية تقليد الإعلام المهيمن - هو اليوم الإعلام الأمريكي. ففي الحقيقية حتى حين تصنع منتجات إعلامية محلية تكون نسخًا باهتة من المواد الإعلامية الأمريكية المترجمة، ولم تنجح المحاولات في "ابتكار" محتوى مختلف الفكرة إلا فيما ندر. وهذا هو ما يعرف ب"التبعية الإعلامية".


سيادة الثقافة الواحدة

ونتجية لهاتين الظاهرتين (التدفق الإعلامي غير المتزن) و(التبعية الإعلامية) وُجدت ظاهرة (سيادة الثقافة الواحدة) التي تعني أنه بسبب أن الثقافات المحلية لا تتعرض عبر وسائل الإعلام إلا لثقافة واحدة مترجمة، أو بنفس فكرة المواد المترجمة، فإنه من الطبيعي أن تتأثر الثقافات تأثرًا غير صحيٍّ بالثقافة المهيمنة، إذْ لا تنمو تلك الثقافات وتتلاقح مع غيرها في اتصال ثقافي متوازن، بل تنحو نحو التغير الشامل المنقطع الجذور عن الثقافة المحلية.


إذن، ما هو دوري الثقافي، بصفتي مترجمًا، في ظاهرة العولمة الإعلامية؟

1. حاول التركيز على الترجمة العكسية: ترجم من ثقافتك إلى الثقافات الأخرى، وحاول عكس التدفق غير المتزن، عبر تقديم ما لدى ثقافتك أيضًا.

2. نوّع في ترجمتك إلى ثقافات متعددة، ولا تسهم في تسييد ثقافة واحدة، ذلك أن الاتصال الثقافي الصحي والحقيقي هو الذي يحدث بين ثقافات متعددة وعلى نحو متوازن.

3. لا تلغِ الحاجز الثقافي، بل أبقه وأنت تترجم، فمحاولة تقريب ثقافة مهيمنة للثقافة المحلية يسهم في التغيير الثقافي غير الصحي.


٤٠٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page