top of page
  • بندر الحربي

الموقع محجوب: كيف تفهم السياق؟



في عام 2009م أرسلتُ طلبًا إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات من أجل إعادة فتح موقع (urbandictionary.com) الذي حُجب لأيام محدودة. وذكرتُ في المبررات أن إغلاق هذا الموقع سيكون خسارة للمترجمين، كونه يُمثل مصدرًا مهمًا من مصادر الترجمة لا يوجد له بديل. فهذا الموقع يُعد – حتى في ذلك العام – من أكثر المواقع تصفحًا على شبكة الإنترنت. أُسس عام 1999م، ويضم ملايين المفردات والعبارات العامية، يُدَونها المتصفحون من أبناء اللغة الإنجليزية ويشرحونها بالأمثلة. ومن حُسن الحظ فقد فُتح الموقع بعد ذلك مباشرة.

     كنت في تلك الفترة متابعًا لمسلسلات كوميديا الموقف (sitcom) الناطقة بالإنجليزية، وأتصفح هذا الموقع باستمرار من أجل فهم الحوار في هذه المسلسلات، الذي يشمل في كثير منه لغة عامية ومفردات جديدة من الحياة اليومية.

     تقول الصورة النمطية إن ما يميّز المترجم عن غيره هو حفظه للكثير من الجمل والمفردات. ولكن في الممارسة الواقعية نعرف أن المترجم لا يجد صعوبة في المفردات بقدر ما يواجه غموض في فهم سياقها في بعض الأوقات.

     وعندما نتحدث عن السياق فينبغي أن نعرف في أيِّ سياق! في مسلسلات كوميديا الموقف أنت تشاهد الممثلين وايماءاتهم وتسمع أصواتهم ونبراتهم، ومن ثم فإن طبقة الصوت ولغة الجسد – اللذين يحملان الجزء الأغلب من الرسالة - يقومان بالدور على أكمل وجه ويوضحان لك السياق. ولكن في قراءة نصوص على أوراق صماء، قد تواجه في الترجمة نصوصًا غامضة فهمُ سياقها هنا أكثر صعوبة.

     لا يحتاج مؤلف الكتاب الإنجليزي -أو غيره - أن يُبسط أو أن يشرح معلومات يعرفها أبناء عمومته ويعدونها أمورًا بديهية. نجد هذا في أسماء الأشخاص والأماكن، والجُمل الشائعة، وعبارات المشاهير، والأمثلة الشعبية، وأسماء الكتب، وكلمات الأغاني، وغيرها.

     قد تكون جُل هذه البديهيات أو بعضها جديدة على المترجم، ينبغي أن يعرفها ليؤدي عمله بدقة، ولن يكون ذلك إلا بمعرفة السياق. ولا ننسى أن دوره الرئيس أيضًا هو ترجمة مفردات وعبارات موضوع النص الأساس، سواء كان في الأدب أو العلوم الطبيعية أو الإنسانية أو غيرها.

     من الوسائل التي أنصح بها لفهم سياق بعض الجمل الغامضة المقروءة، الرجوع إلى مواقع القواميس المتخصصة مثل (urbandictionary)، وكذلك الموسوعات العالمية الشاملة وعلى رأسها الموسوعة البريطانية (Britannica). وطريقة أخرى فعالة، وهي سماع النص حال توفر نسخته الصوتية؛ وقد استفدت من هذه الطريقة في تمييّز انفعالات السارد والشخصيات من خلال طبقة الصوت خصوصًا في النصوص الأدبية. وثمة وسيلة أيضًا وهي سؤال المؤلف، وهذا ما أفعله في بعض الأحيان، ويفعله مترجمون آخرون، مثل مترجما النسخة الروسية لرواية (ببّغاء فلوبير) مع مؤلفها جوليان بارنز، الذي ترجمتُ روايته هذه للعربية. وبالمناسبة، في هذه الرواية، ثمة جملة يتطلب فهمها سياقًا مختلفًا، وهو المشاهدة بالعين! وهذا ما حدث عندما وصف المؤلف بخياله الواسع مشهدًا على الشاطئ الفرنسي شَهِد عملية إنزال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وتطلب الأمر من المترجمين – أنا والروس قبلي- التوقف طويلاً لفهم هذا السياق المرئي، حيث أننا لم نزر هذا الشاطئ الفرنسي من قبل.


٣٢٥ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page