top of page
  • رناد الجديد

المترجم الصحفي بين الذكاء والتلاعب


"ترجمي بذكاء"، التي أسهبنا فيها في المقال السابق، تعني أنني كنت أترجم بغباء قبلها؟ نعم، هذا ما كان يعنيه المحرر، لكنه قالها دون أن يقولها، أو صرح بها بدبلوماسية كما يشاء بعضنا أن يسميها.

في سياق مماثل، حين تعلن الدولة "س" إدانتها قتل المدنيين غير المسلحين، فهذا قد يعني عدم إدانتها قتل المدنيين المسلحين. مثالٌ لأحد الأساليب وأبسطها، وهو وصف الأشياء بما يثبت صحة نفيها، وهناك المزيد.

حين تترجم خلف مقود السلطة الرابعة، يصبح لكل كلمةٍ وصياغةٍ أبعادها السياسية التي تعكس موقفًا أو أيديولوجية معينة. بعضها وُثِّق بالبحث الممنهج كإستراتيجية، ولكن الكثيرَ منها مبنيٌّ على التلاعب بالكلمات بلا قواعد رياضية ثابتة.

يطرأ التلاعب اللغوي الأيديولوجي، بحسب الخبراء، على أحد المستويين أو كليهما: اللفظة والصياغة. والأمثلة على الألفاظ كثيرة كالفرق بين دلالات "إسرائيل" و"الكيان الصهيوني"، والفرق بين "الثوار" و"المعارضين"، و"الرئيس السابق" و"الرئيس المخلوع"، و"الاحتجاجات" ذات المعنى الحيادي مقابل نظيرتيها "الثورة" أو "الانقلاب" ذواتي التحيز لأحد الأطراف، وغيرها من الأمثلة.

في ورقة بحثية عن الأيديولوجية والترجمة، أجرى الباحثان أسلاني (Aslani) وسلماني (Salmani) تحليلًا لنصوص مترجمة في إحدى الصحف الإيرانية نقلا عن صحف بريطانية كـ"رويترز" و"ذا اندبيندنت"، ووجدا تلاعبًا من نوع آخر، فما نُقِل في الصحف البريطانية على أنه اقتباس، نُقِل في الصحيفة الإيرانية وكأنه حقيقة لا شك فيها.

إحدى الأمثلة التي أورداها كانت عن خبر للقصف الكيماوي في سوريا الذي نقلته الصحف عام 2015، إذْ ذَكرت رويترز اقتباسًا لبشار الأسد يقول فيه "لا دليل يثبت استخدامي لأسلحة كيماوية ضد شعبي" في حين نقلتها الصحيفة الإيرانية كخبر يقين، وليس اقتباس: "لا يوجد أي دليل يثبت استخدام سوريا لأسلحة كيماوية ضد شعبها". الأمر الذي يصنع فارقا بين الاقتباس على لسان مسؤول بغرض النقل، والنقل كخبر بهدف التأييد.

وليست الأخبار وحدها التي قد تقع ضحية التلاعب، بل حتى النصوص الأدبية التي تحمل في سردها مرجعية لأحداث تاريخية أو الروايات السياسية، كرواية مزرعة الحيوان لـ جورج أورويل، التي أجرى باحثان تحليلا لترجمتين لها من الإنجليزية للفارسية. إحدى الترجمات كانت قبل 1979، أي قبل الثورة الإسلامية في إيران، في حين كانت الثانية بعدها.

ووجد الباحثان بهتاش (Behtash) وشلبي (Chalabi) اختلافا بائنا في اختيار الألفاظ، الذي بدوره صنع اختلافا في الأفكار، إضافة إلى بعض التغييرات في الصياغة، كالتبديل بين المبني للمجهول والمبني للمعلوم في بعض الجمل لإخفاء الفاعل في حينٍ وإظهاره في حين آخر لغايات أيديولوجية بحتة.

وفي هذا، يجد المترجم نفسه حائرًا بين الترجمة بذكاء بهدف جذب القارئ، وبين التلاعب الأيديولوجي ذي الغايات الأخرى. ولكن خلاصة واحدة نعرفها ونحن على يقين منها في كل مرة، أن الكلمات أقوى ممّا نظن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجـــــــــــــع:

- Aslani, M. & Salmani, B. (2015). Ideology and Translation: A Critical Discourse Analysis Approach towards the Representation of Political News in Translation. International Journal of Applied Linguistics & English Literature, Vol.4, No. 3 , retrieved from:

http://www.journals.aiac.org.au/index.php/IJALEL/article/view/1284/1271

- Behtash, E. & Chalabi, K. (2016). Ideology in Translation: The Impact of Socio-political Factors on Lexical Equivalents in Two Persian Translations of Animal Farm. Translation Journal. Retrieved from:

https://www.translationjournal.net/April-2016/ideology-in-translation-the-impact-of-socio-political-factors-on-lexical-equivalents-in-two-persian-translations-of-animal-farm.html


٢٤٤ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page