- بقلم: ميساء ناجي
الترجمة السمعية البصرية

لم تعد الترجمة مقصورة على الكتب والمقالات وما خطّه القلم. ولكنها تعدت هذه الأمور لتتطور وتشمل ترجمة المواد المرئية. وهنا ظهر لدينا نوع جديد من أنواع الترجمة، وهو الترجمة السمعية البصرية (السمعبصرية)، أو الترجمة المرئية كما تُعرف في بعض البلدان العربية. ففي عصرٍ تفوقت الشاشة فيه على كل شيء ورقيّ، يمكن أن يكون للترجمة السمعبصرية دور كبير في ترجمة أضعاف الكتب والمجلات الأجنبية ونشرها على مستويات لم تخطر على بال أحد. وقد أضحت الحاجة إلى هذا المجال مُلحًة، خاصة في عصر تطورت فيه التكنولوجيا الحديثة (عصر العولمة). وفي ظل هذا التلاقح بين اللغات، لم تعد المشاهدة مقصورة على شاشات التلفاز أو السينما، كما هو الحال في السابق، ولكن أصبح بإمكاننا مشاهدة أي شيء، وكل شيء عبر شاشات حواسيبنا وهواتفنا المتنقلة. لقد نشأ هذا النوع من الترجمة عن طريق التزاوج بين السمعي، والبصري، والترجمة تزامنًا مع التطور التكنولوجي. كما أن للترجمة السمعبصرية دور كبير في تعزيز مهارات المشاهد وتطوير لغته، خاصة إذا كان المشاهد ثنائي اللغة، إذْ يُنصح بمشاهدة المواد المترجمة بهذه الطريقة حتى تزيد حصيلته اللغوية من مفردات، ومصطلحات، ومتلازمات لفظية.
وتجمع الترجمة السمعية البصرية بين الصورة واللغة والكتابة. وهذا يعطيها دقة بالغة في إيصال المعنى المراد إلى المتلقي. حين نتابع المواد والمقاطع المترجمة باهتمام، فإننا لا ننتبه إلى أنها أُعِدَّت باحترافية كبيرة ربما تتفوق في بعض الأحيان بشكلها ومضمونها على اللغة التي كتبت بها المادة الأصلية، وهذا إبداع من نوع آخر.
ويلعب الوقت دورًا مهمًا جدًا في هذا النوع من الترجمة سواء كان مترجمًا مسبقًا، أو يحتاج إلى ترجمة مباشرة مثل الترجمة الفورية والتتبعية، لا سيما في الخطابات السياسية.
ما معنى الترجمة السمعبصرية؟
يقصد بالترجمة السمعية-البصرية (Audiovisual Translation) وتسمى أيضًا (Multimedia Translation) عند راميل ودياز (RAMAEL & DIAZ): "ترجمة الإنتاج الذي يُستكمل فيه البعد اللفظي بعناصره في وسائل الإعلام الأخرى". ويرى غامبيير إيز (GAMBIER Yves) أن الترجمة السمعية البصرية تندرج ضمن ترجمة المواد الإعلامية من المرئيات والصوتيات. وهي تشمل أيضًا التكييف، أو التحرير للصحف، والمجلات ووكالات الأنباء، إلى غير ذلك. ويمكن أن يُنظر إليها أيضًا في سياق الترجمة متعددة الوسائط التي تؤثر في السلع، والخدمات الإلكترونية (الإنترنت).
أنواع الترجمة السمعبصرية:
يكون الخطاب في الترجمة السمعبصرية متعدد العناصر يشتمل على النص، والصوت، والصورة، وذلك جنبًا إلى جنب مع العنصر السيميائي وهو الصورة.
لقد وجدت أثناء إعدادي هذا المقال بعض الاختلافات في حصر أنواع الترجمة السمعية البصرية وتحديدها، لأنها مجال حديث ترتبط حداثته بحداثة التكنولوجيا. ولكني آثرتُ أن أعرض أشهرها وأهمها.
السترجة (Subtitling)
السترجة كلمة مشتقة من أصل فرنسي هي (Sous-titrage) وهي نفس كلمة (Subtitle) بالإنجليزية التي تعني: الترجمة المرئية بشريط أسفل الشاشة.
وتُعرف السترجة على أنها عملية ترجمة تعرض في أغلب الأحيان نصًا مكتوبًا في الجزء السفلي من الشاشة، وهذا ليس دائمًا، فعلى سبيل المثال في اليابان تعـرض السـترجة علـى الجانب الأفقي الأيمن من الشاشة.
الدبلجة (Dubbing)
الدبلجة هي "تعويض الصوت الأصلي الذي يحتوي على حوار الممثلين بحوار في اللغة الهدف ينقل رسالة النص الأصلي، ويراعي تزامن صوت اللغة الهدف مع حركة شفاه الشخصيات، إذْ إنه يدفع بالمشاهد الجديد إلى تصديق أن المتحدثين يتكلمون هذه اللغة".
وعلى غرار السترجة، تعد الدبلجة من أبرز أنواع الترجمة السمعية البصرية وأكثرها انتشارًا. ومن أهم الأعمال المدبلجة الرسوم المتحركة. ويكمن الهدف من ذلك إلى جذب الطفل لمشاهدتها مع الأخذ بعين الاعتبار مهاراته اللغوية، وقدراته القرائية. وهذا هو سبب تجنب السترجة في المواد المقدمة للأطفال.
السترجة الحية (Live (Real Time) Subtitling)
يعتمد هذا النوع على ترجمة النص، أو الخطاب عندما لا يكون متوفرًا، أو مكتوبًا. وتُعرض السترجة الحية عادة على القنوات الفضائية، وفي نشرات الأخبار، واللقاءات، والمناقشات.
السترجة المباشرة (Live Subtitling)
وهنا يكون النص أو الخطاب متوفرًا، ومن ثم يُترجم مسبقًا ثم تُعرض الترجمة، أو تُنشر في وقت البث المباشر للبرنامج، أو اللقاء، أو المادة المرئية عمومًا.
السترجة في صلب اللغة الواحدة (Intralingual (Open Caption) Subtitling)
وهي سترجة الحوار المنطوق إلى نص مكتوب في اللغة ذاتها، وتعني أيضًا نقل الخطاب السمعي إلى البصري.
وأدرجتْ بعضُ المصادر ترجمة الإشارة للصم والبُكم تحت فرع السترجة في صلب اللغة الواحدة بمسمى (Intralingual (Closed Caption) Subtitling) ولكنني آثرتُ وضعها باعتبارها فرع مستقل بحد ذاته بحسب ما ورد في موضوع (Multimedia Translation) في الويكيبيديا.
ترجمة الإشارة للصم والبكم (Subtitling for the Deaf and Hard of Hearing)
وفي هذا النوع نستخدم لغة الإشارة لتفسير الحوار لأولئك الذين يجدون صعوبة في سماع الخطاب، أو الحوار من خلال مساعدتهم في "رؤية الصوت" إلى جانب إضافة بعض المعلومات لاستكمال البعد اللفظي. وكانت هذه الترجمة متوفرة في السابق في ترجمة الأفلام، والمواد المسجلة. وفرض التطور التكنولوجي حاليًا زيادة هذا النوع من الترجمة، فأصبحنا نراه أثناء بث النشرات الإخبارية والبرامج المهمة.
السترجة من لغة الى أخرى (Bilingual Subtitling)
هي السترجة من لغة إلى أخرى حيث تكون في هيئة سطرين، وكل سطر مكتوب بلغة مختلفة.
السترجة الفوقية "السرتلة" (Surtitling)
وتستخدم عادة في الأوبرا، حيث تُعرض الترجمة الفوقية على شكل كتابة متصلة، وهي طريقة قديمة كانت تستخدم في الأوبرا، والمسارح، والعروض السينمائية المسجلة.
ترجمة السيناريو (Script Translation)
ويقوم هذا النوع من الترجمة على ترجمة سيناريو العمل ترجمة تحريرية، وذلك بترجمة حوار المسرحية أو الفيلم.
الترجمة الشفوية (Interpretation)
وهي ترجمة الخطاب المسموع إلى كلام شفهي منطوق. وعادًة ما نلجأ إلى الترجمة الشفوية في المؤتمرات، ونشرات الأخبار. ويندرج تحتها جميع فروع الترجمة الشفوية مثل الترجمة التتبعية والفورية.
الترجمة الفورية (Simultaneous Translation)
وتُسمى أيضًا (Sight Translation) وفيها يُترجم الخطاب المحكي إلى حديث شفوي عن طريق النظر. ومن أمثلة استخدامها: الترجمة في المؤتمرات، واللقاءات السياسية، والخطابات، ونشرات الأخبار، والرحلات السياحية.
الاستعلاء الصوتي (Voice Over)
وتقوم على بث النص الأصلي، وصوت الترجمة في وقت واحد حيث يُركب صوت المذيع على صوت الشريط الأصلي في نفس التوقيت.
التعليق (Comment)
وهنا نقوم بتكييف برنامج وثائقي، أو تلفزيوني، ونضيف عليه معلومات، وتعليقات.
الوصف السمعي (Audio Description)
ويستخدم هذا النوع من الترجمة في تفسير الصورة من جانبها المرئي إلى مسموع لمساعدة أولئك الأشخاص الذين يعانون من فقدان جزئي أو كامل للنظر.
لقد حلت الشاشة في العصر الرقمي محل الكتاب، والورقة، والرسالة البريدية، بل والصحيفة، والمجلة، والبطاقة. ونتج عنها ثورة في صناعة النشر، وتداول المعلومات. وأصبحت مشاهدة المواد المرئية أمرًا في متناول أيدينا، وأكثر سهولة من الماضي خاصة مع انتشار القنوات الكابل (Cable Channel)، والأقمار الصناعية. كما أصبح لدينا قنوات متخصصة في مجالات معينة علمية، ومعرفية.
لذلك فلا غرابة أن تقل القراءة لدى الشباب، وإن قرأوا فليس بالضرورة أن يكون باللغة العربية، وهذا خطر جسيم يُهدد لغتهم العربية. هذا بالإضافة إلى ضعف المحتوى العربي على الإنترنت، الذي يقدر بنسبة (1%) وغياب الاهتمام بإنتاج البرامج العربية الهادفة التي تُعنى برفع الوعي المعرفي.
ويجب ألا ننسى أن الهدف الرئيس من الترجمة في بداية الأمر كان النهضة العلمية، ثم توسع هذا المفهوم ليصبح أكثر شمولًا فيهتم بالثقافة، والفنون، وتعلم اللغات الأجنبية. وفي العصر الحديث، وبسبب الانفتاح على الثقافات الأخرى، أصبحنا بحاجة إلى وضع الترجمة في إطار أوسع، وهو مخاطبة الآخر. كل هذا في زمن أصبحت فيه الثقافة العربية في موضع الشك والضعف. هذا إلى جانب انتشار الجامعات الغربية في الوطن العربي.
ويظل الهدف الأهم للترجمة هو حماية اللغة بين أهلها، وصيانة الثقافة العربية خارج حدودها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصــــــــــــادر
https://artisinitiative.files.wordpress.com/2014/07/carol-osullivan-1-intro-to-avt.pdf
http://dspace.univ-tlemcen.dz/bitstream/112/8923/1/boussaid-ibrir.pdf