- د. نهى العويضي
ماذا تعرف عن المعيار الدولي 17100 ؟

قبل الإجابة عن السؤال أعلاه أود أن أناقش مسألة اعتبار الترجمة علمًا من العلوم التي تدرس في الجامعات ويخصص لها أقسام خاصة في بعض الجامعات أو تدرج تحت أقسام اللغات الحديثة في معظم الجامعات.
في البدء يصنف العلم علما إذا استوفى الشروط التالية:
خاضع للبحث التجريبي
قابل للخطأ والصواب
يمكن ملاحظته ووصفه
يسمح بتوقع النتائج بناء على المعطيات
فرضياته ونظرياته تخضع للمراجعة المستمرة والتعديل
وقد تحقق كل ذلك في مجال دراسات الترجمة بفضل أسلافنا في منتصف القرن العشرين، فقد نشروا العديد من الأبحاث التجريبية المعتمدة على عينات بحث من مبتدئين في الترجمة وخبراء فيها وبدأوا بتطبيق المنهج العلمي القائم على الملاحظة وجمع البيانات في ظل ظروف متغايرة. وكان أسلوب "التفكير بصوت مسموع" أو ما يعرف بـ (TAP: Think Aloud Protocol) هو الأسلوب السائد في بداية أبحاث دراسات الترجمة.
بفضل هذه الأبحاث استطاع الباحثون نشر أبحاث وكتب تشرح وتصنف الفرق بين طريقة تفكير المترجم المحترف الخبير والمترجم المبتدئ من عدة نواحي، منها استراتيجيات نقل المعاني، وإيجاد الحلول للمشاكل، وسرعة القراءة، وتحديد الأفكار الرئيسة وغيرها من العناصر.
وكانت تلك نقطة الانطلاقة بالرغم من الانتقادات التي نشأت حول طريقة التفكير بصوت مسموع (TAP). ومن ثم بدأ التفكير في تحديد مستوى جودة الترجمة ليُمكّن من تحديد مستوى المترجم وتصنيفه خبيرا أو مبتدئا. ولتحقيق ذلك كان لزاما التقيد بمعايير محددة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وما الأنسب لذلك من مجموعة الأيزو (ISO: International Organization for Standardization). وعند البحث في وثائق الأيزو استُعين بـ ISO 9001 بصفته الأقرب لمهمة الترجمة، ذلك أنه يصنف المتطلبات الأساسية لإدارة الجودة بصفة عامة.
وجاء دور الباحثين في اللجنة الأوروبية للمعايير (أُنشأت في 1961) وعددهم 34 عضوًا من جنسيات أوروبية مختلفة، فقد عكفوا على تطوير معيار أوروبي للجودة، بغرض تسهيل التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي، ولتحديد مكانة أوروبا في الاقتصاد الدولي. وتوسعت أعمال هذه اللجنة لتنشأ معيارًا خاصًا بصناعة الترجمة، وأطلق عليه اسم EN 15038. ولكن يجدر بالذكر أن هذ المعيار لا يشمل الترجمة الشفوية أو الفورية. ويغطي هذا المعيار الجوانب التالية:
المتطلبات الأساسية للموارد البشرية والعمليات اللازمة لتقديم خدمات الترجمة
العلاقة بين العميل ومزود خدمة الترجمة
الإجراءات المتبعة في مهمة الترجمة
وكما هو حال العلم القابل للتطوير والتعديل، قامت المنظمة الدولية للمعايير بتطوير معيار خاص بجودة الترجمة. ويعتمد مبدئيًا على EN 15038. وكان تاريخ نشر الإصدار الأول للمعيار الجديد هو الأول من شهر مايو من عام 2015. وأطلقت المنظمة عليه اسم ISO 17100:2015 "متطلبات خدمات الترجمة" والجدير بالذكر أنه المعيار الأول من نوعه المعنيّ بخصائص الترجمة وجودتها.