top of page
  • عبدالعزيز محمد الذكير

وقديمًا ترجموا: حول مكانة المترجم



لم أقاوم رغبتي في إدراج هذا الموضوع لقراء هذا المقال لأنها - في رأيي - من الشهادات الواقعية والملموسة على دور المترجم ومكانته، حتى في العالم الصناعي المتطوّر، وفي العصر الرقمي المتسارع.

     كتب الدكتور عبد المنعم تليمة، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة، “كنت أعمل أستاذا للغة العربية وآدابها باليابان في الثمانينيات من القرن الماضي، وحصلت على راتب أعلى من راتب رئيس الوزراء الياباني، فخفت أن يكون هناك خطأ وأن يطالبوني برد هذه المبالغ بعد ذلك، فعاودت مسؤول الماليات بالجامعة لأطمئن. يضيف: “كانت المفاجأة عندما أجاب المسؤول وأخبرني أن قانون الرواتب في اليابان موحد على الجميع وأن درجتي العلمية أعلى من درجة رئيس الوزراء الذي لا يحمل سوى الدكتوراة، وأن سنوات خبرتي أكثر من سنوات خبرته، إضافة إلى نسبة تميز مهن التعليم، لذا استحق راتبا أعلى من رئيس الوزراء بالقانون”.

     والدكتور عبد المنعم تليمة واحد من أفضل الأساتذة في النقد الأدبي، كما أنه عضو جمعية الدراسات الشرقية بطوكيو، ومن الأعضاء المؤسسين لاتحاد كتاب مصر، وعضو مؤسس ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للأدب المقارن، بالإضافة إلى أنه عضو مؤسس للجمعية المصرية للدراسات اليونانية واللاتينية، وكذلك مجلس إدارة الجمعية المصرية للنقد الأدبي، وخبير بمجمع اللغة العربي.

     وهكذا وجد المتبحرون في اللغات عطاء مرموقا، فهم عملة صعبة، وتُحف نادرة لا تُقدّر بثمن.

     يمكن أن نصِف المترجم‌ أنه الإنسان المثقف‌ الذي‌ يسعى ويذهب بعيدا للتواصل‌ والتلاقي على‌ أرض‌ الفهم والمعرفة والقدرة على التعاون العلمي. فالعالم الآن بأمس الحاجة إلى بناء جسر التلاقح اللغوي أكثر من أي وقت مضى، وبحاجة إلى التعاون‌ الثقافي‌ الذي‌ ننوي‌ بناءه‌ خطوة‌ خطوة‌ من‌ أجل‌ التلاقح ‌ الحضاري‌. 

 العملية (أي الترجمة) في‌ جوهرها عملية‌ مقاربة‌ ومقابلة‌ بين‌ طرائق‌ وأساليب‌ لغوية‌ متشابهة، وتختلف‌ أحياناً أخرى. ومن‌ هنا فإن‌ أنماط‌ الترجمة ‌وأنواعها تختلف‌ باختلاف‌ اللغة.

     يتراوح الجهد في نشاط الترجمة اليوم بين التركيز علي‌ فحوى النص ومضمونه والنواحي‌ الجمالية‌ والفنية‌ فيه‌. ولكن‌ الغاية‌ الأساسية‌ من‌ الترجمة‌ بلا شك‌ هي‌ إيجاد مقابل‌ دلالي‌ طبيعي‌ - في‌ اللغة ‌المترجم‌ إليها - يميز الترجمة‌ عن‌ سواها من‌ النشاطات‌ اللغوية‌ الأخرى كالاقتباس‌ والتلخيص.‌

     الترجمة لها مدلولات ومعان إنسانية لتواصل البشرية عبر آلاف السنين. فكلٌّ دوّن هذا النتاج بلغته، وليس من السهل نقل حضارة إلى أخرى إلا بمعرفة الإنسان لغة الإنسان الآخر، وخير وسيلة لذلك هي الترجمة.

     الترجمة يجب أن تكون وسيلة إلى فتح الباب للمزيد من المنافسة المعرفية والاستفادة من تجارب الحضارات في شتى الميادين.

     ومن خلال بوابة الترجمة ربما نجد الاتفاق أكثر من الاختلاف بين الناس، والتحاور أكثر من التصادم، والانفتاح أكبر من الانغلاق. ومن غير المشكوك فيه أن التفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة يعتمد على الترجمة، ليس باعتبارها ترفًا فكريًا، بل باعتبارها حاجة إنسانية ملحة، أملتها شروط الاختلاف والتعددية القائمة بين الأمم والشعوب.





١٣٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page