- مها الفالح
المترجم والكتاب ودار النشر
تاريخ التحديث: ٩ سبتمبر ٢٠٢٠

لا شك أن حلم كل مترجم منا أن يرى اسمه على غلاف أحد تلك الكتب فوق رفوف المكتبات، وأن يقترن اسمه يومًا ما باسم كاتب عريق؛ كارتباط اسم المترجم الفذ صالح علماني بالروائي الإسباني غابرييل غارسيا ماركيز (Gabriel García Márquez). أو أن يرتبط اسمه بترجمة أكثر السلسلات الروائية نجاحا، كما ارتبط اسم المترجم هشام فهمي مع سلسلة روايات لعبة العروش (A Game of Thrones).
إذًا كيف السبيل إلى مثل هذا المجد؟ حتمًا هناك خطوات لا بد أن يخطوها كل مترجم يسعى إلى أن يدخل هذا العالم - عالم ترجمة المؤلفات والكتب. وسنسعى في هذه المقالة إلى توضيحها بإسهاب.
الخطوة الأولى: اختيار الكتاب
قد تبدو هذه الخطوة بديهية وسهلة، ولكنها بلا شك اللبنة الأساسية، التي سيرتكز عليها نجاح الترجمة. فاختيار الكتاب مبدئيا يجب أن يعتمد على أربع ركائز:
أنه لم يترجم مسبقًا إلى لغتك: ويمكنك تحققك ذلك بالبحث في الإنترنت أو بتواصلك المباشر مع المؤلف أو دار النشر وسؤالهم هل باعوا - أو لديهم النية في أن يبيعوا - حقوق النشر (بلغتك الهدف) على دار أخرى حتى تتواصل معهم وتعرض خدماتك وتبدي رغبتك في ترجمته.
تاريخ نشره: ينبغي ألا يتجاوز تاريخ نشر الكتاب خمس سنوات أو ستًا، وذلك لأسباب تسويقية، عادة تحددها دار النشر التي ستشتري الحقوق.
فائدته العلمية والعملية: لأن اسمك سيرتبط باسم الكتاب فاحرص على اختيار العناوين التي لا شبهة فيها ولا حرام، وذات فائدة لك وللقارئ.
معرفتك وإلمامك بالحقل الذي ينتمي إليه: فلا تسعَ إلى ترجمة كتاب لا تفقه مصطلحاته لمجرد أنه كتاب مشهور، أو أنه لاقى ضجة ونجاحًا في مجتمعه، لأنك ستعاني في ترجمة مصطلحاته وستؤثر أولاً وأخيرًا في جودة ترجمتك.
شغفك وميولك تجاهه: إذ إنك ستعكف على ترجمته مدة طويلة ولن ترغب في المكوث طويلًا على ترجمة كتاب ستضجر منه بعد أول صفحتين.
الخطوة الثانية: أخذ الإذن المبدئي
ويؤخذ الإذن المبدئي عادة من صاحب الملكية الفكرية، فإما أن يكون المؤلف نفسه أو دار النشر، وذلك بحسب العقد المبرم بينهما، وإما أن يكون ملكية عامة[1] [2]((Public Domain Books أي أنه ليس له حقوق لمرور 50 سنة أو أكثر على وفاة المؤلف. وتكمن أهمية الإذن المبدئي أولاً في التحقق من عدم ترجمة الكتاب أو بيع حقوق ترجمته على دار نشر أخرى. إضافة إلى أنه يمكن أن تستخدم هذه الموافقة المبدئية ورقةً تدعم فيها خطاب طلب الترجمة وشراء الحقوق من دار النشر التي ستتبنى نشر ترجمتك.
الخطوة الثالثة: ترجمة عينة من الكتاب
وتكون العينة عادة الفصل الأول من الكتاب على ألا تقل عن 10 صفحات تقريبًا (2,500 كلمة) ولا تزيد عن 30 صفحة (25,000 كلمة). وذلك حتى تتضح جودة ترجمتك وصحتها. ولا مانع أن تستعين بمدقق لغوي مدفوع الأجر يقوّم ترجمتك ويبين لك أخطاءك حتى تتفاداها في ترجمة بقية الفصول. وإياك وترجمة الكتاب كله قبل أن تجد دار نشر تتبنى ترجمتك، فما يروق لذائقتك قد لا يستهوي الآخرين، وينتهي بك المطاف إلى ضياع الجهد والوقت.
الخطوة الرابعة: التعاقد مع دار للنشر
وهذه الخطوة التي يتوه عندها السواد الأعظم من المترجمين الذين يدخلون عالم النشر أول مرة. بداية، يجب أن يبحث المترجم عن دار النشر التي تنشر مواضيع تشبه موضوع كتابه. فإن كنت تسعى إلى نشر ترجمة رواية، فلن تطرق باب المنظمة العربية للترجمة أو أي دار نشر أخرى عُرف عنها نشر الكتب العلمية. والعكس صحيح. أبحث عن الدار التي تشاركك الاهتمام ذاته بنوع المنشور حتى تزداد فرصة قبولهم لعرضك وتبني ترجمتك.
ماذا لو حاولت مراسلة العديد من دور النشر ولم تجد مجيبًا؟ الحل هنا يكمن في زيارتك لمقرهم رسميًا إذا كانت دار نشر محلية، أو زيارة معارض الكتاب إذا كانت عالمية، وهي فرصة ذهبية لكل مترجم ليعرض خدماته ويوسع دائرة معرفته بدور النشر، ويحظى بمعرفة ملاكها أو رؤساء تحريرها وكسب ثقتهم.
ماذا لو خشيت أن تعرض الكتاب على دار نشر وتشتري حقه وتكلف مترجمًا آخر بترجمته؟
بدايةً، يجب أن تضع في الحسبان أن من حق دار النشر بعد شراء الحقوق تكليف المترجم الذي تراه مناسبًا، سواء من ناحية جودة ترجمته أو نسبته التي يتقاضاها. لذا احرص عند تقديمك طلب تبني الترجمة لأول كتاب لك أن تقدم لهم ترجمةً ذات جودة عالية، وأن تذكر أن الأمور المادية لا تهمك بقدر ما يهمك حفظ حقك ووضع اسمك على الغلاف، ففي نهاية المطاف، هدفك بناء علاقة ثقة مستمرة مع دار النشر، ويمكنك في المستقبل أن تملي شروطك عليها.
ماذا لو طلبت منك دار النشر إرسال ترجمتك كاملة وأنت تخشى من نسبتها إلى غيرك؟!
هنا تكمن أهمية التعامل مع دور النشر المرموقة والمعروفة، التي تهمها سمعتها قبل كل شيء. فإن طُلب منك إرسال العمل كاملاً لتقييمه، وذلك من حقهم، أرسله بصيغة PDF مع تفعيل خاصية WATERMARK في برنامج Word حتى تدرج اسمك بخط شفاف خلف النصوص دون تشويه ثم تحفظها ملف PDF. وهكذا تكون قد أمنت جانبك قدر المستطاع. وتبقى المراسلات التي بينكم دليلًا على التعاون في حال حدوث سرقة أو ما شابهه - لا سمح الله.
نقاط مهمة في العقود وتحديد السعر:
حاول الحصول على ناشر وعقد قبل ترجمة الكتاب كاملًا.
وأقتبس من الأستاذ أحمد الفهد [1] "... بالنسبة لذكر اسم مترجم الكتاب، يجب أن تكون الفقرة الخاصة بذلك مكتوبة بأوضح عبارات ممكنة بحيث تحدد موقع اسم المترجم على الغلاف وبحجم خط معين وواضح (كأن تنص: ... يُكتب اسم المترجم على النحو التالي: "ترجمه إلى العربية فلان الفلاني، ويكون موضعه في وسط الغلاف بالضبط وتحت العنوان واسم المؤلف بنحو ثلاثة سنتمترات أو في أي موضع بارز إذا تعذر ذلك، ويكون بحجم خط كبير نسبيًا ...إلخ) لقد وقعت في هذا المطب بالذات وسرق عملي وكتابي بأسلوب خبيث حيث ذكر اسمي في الداخل واسم الشركة على الغلاف بسبب عدم وضوح الفقرة المعنية".
لا توجد معايير محددة للاتفاق على سعر الترجمة، إذ إن تحديد سعر موحد أمر معقد. لذلك يحتاج المترجم إلى الكثير من الخبرة والدراية للتعامل مع هذا الموضوع. وعمومًا نلاحظ أن المترجم المحترف يتميز بوضع أفضل من المترجم المبتدئ في هذه الناحية. أمرٌ آخر ذو بال هنا وهو القوانين واللوائح المحلية (تختلف من بلد لآخر). فعلى المترجم أن يحدد وفقًا لتلك القوانين هل يفضل أجرًا مقطوعًا - أي مبلغاً محدداً من المال نظير ترجمته - أو أن يكون له نسبة معينة من الدخل الناتج عن بيع الكتاب وحقوقه. ومهما كان اختيار المترجم فينبغي أن تكون شروط العقد واضحة وصريحة، وهي شروط تخضع - كما أسلفنا - للأخذ والرد والتفاوض بين الطرفين.
ومن ناحية أخرى هناك عدة عوامل تفرض نفسها على عملية التفاوض حول السعر مثل الميزانية التي رصدها الناشر للعمل المراد ترجمته وخبرة المترجم وسمعته والدعم المالي المرصود للعمل ثم موعد تسليم الترجمة. عليه أكرر ضرورة وجود عقد قبل بدء العمل وتحديد كل الشروط التي تهم المترجم مهما كانت بسيطة أو صغيرة. والعقد، وإن كان من صفحة واحدة، فهو صمام الأمان للمترجم وأفضل وسيلة لحفظ حقوقه.[2]
ومن الجدير مطالعة نظام حماية حقوق المؤلف بالمملكة العربية السعودية حتى يكون لديك تصور عن الأنظمة والقوانين وما لك وما عليك في مجال حفظ الحقوق الفكرية، فالكثير من المترجمين يجهل أن للمترجم حق يكاد يساوي حق المؤلف في مجال الكتابة والتأليف.
الخطوة الأخيرة: الطباعة والنشر والتوزيع
أخيراً، بعد توقيع العقد بين الطرفين، وانتهاء الترجمة وتسليمها، يدخل الكتاب ضمن الدورة التشغيلية للكُتب بالقسم الفني في دار النشر ويمر بالمراحل الآتية:
التنسيق
المراجعة
التدقيق اللغوي
الطباعة
النـشر والتوزيع والتسويق للكتاب
ماذا لو لم تجد دار نشر تتبنى ترجمتك وما تزال لديك رغبة ملحة في نشر عمل باسمك؟
يمكنك إذًا شراء حقوق الترجمة بنفسك، ثم تسجيل ترجمتك في وزارة الثقافة والإعلام، واستخراج فسح الطباعة، والتعامل مع دار نشر أو مطبعة تتولى طباعة الكتاب وتوزيعه وربما تصميم غلافه. أو اسلك الاتجاه الجديد "الطباعة تحت الطلب"، وهي خدمة نشر ذاتية مجانية يقدمها موقع أمازون وموقع لولو، فيُرفع العمل كاملًا على الموقع ويعرض للبيع فيه، وإذا اشتُريت نسخة ورقية منه، فإنها تطبع مباشرة وترسل للزبون أينما كان حول العالم.
في النهاية، تذكر أن المجد لا يأتي إلا بالصبر والمثابرة، فقد تكون الطريق طويلة ومجهدة، ولكن الوصول إلى الهدف كفيل بأن ينسي الإنسان التعب والمشقة. فكن ذا رسالة تستحق أن تسجل اسمك عليها واحتسب أجر مُعلم الناس.
وإن كانت لديك تجربة تود مشاركتها أو استفسارات لم نتحدث عنها في المقالة، فأدرجها في الردود وسنجيب عنها بحول الله.
للإستزادة:
كيف أصدر كتاب؟ (خبرتي في مجال الكتب والنشر) بقلم آلاء العتيبي
المصــــــادر:
[1] مدير برنامج الاختبار والاعتماد في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
[2] الفقرة مقتبسة عن محمود الحيمي، عضو القيادة الجماعية في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.