top of page
  • رناد الجديد

المترجم وأزمة اللجوء


حاولت السيدة "أم علي" جاهدة الحديث مع ممثل إحدى وكالات التنمية الأوروبية أثناء زيارته مركزًا يقدم المساعدة للاجئين. في حين لم يتمكن المسؤول الأوروبي، الذي يتحدث ست لغات ليست العربية من ضمنها، أن يفهم ما أرادته السيدة ذات الخمسين ربيعا إلا حين استعان بمترجم، ليسمع قصة ابنها الذي تورط بقضية لا يد له فيها وبحاجة للاستعانة بمحامي، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة تحول دون قدرتها على ذلك.


    وقد عرفت من مرافقتي للمسؤول في هذه الزيارة أن قصة السيدة أم علي واحدة من قصص كثيرة أراد اللاجئون توصيلها إلى المسؤول، الذي قد لا يكون قادرًا على تقديم المساعدة بصورة مباشرة، ولكن استيعاب احتياجاتهم والاستماع إلى معاناتهم قد يثمر عن خطط مستقبلية لمشاريع تنموية تساعد اللاجئين وتقدم لهم الدعم اللازم فيما يصب في صلب احتياجهم.


     وعلى نقيض أم علي، التي لجأت إلى بلد عربي يمكنها فيه التواصل مع أهل البلاد بلغتها، هناك الآلاف من اللاجئين الذين نزحوا إلى دول أوروبية، فزاد على كافة الصعوبات التي يعانون منها جدار اللغة الذي يصبح حاجزًا يحول دون انخراطهم في المجتمع لممارسة أبسط الأحاديث والممارسات اليومية، إضافةً إلى صعوبة التواصل مع مقدمي الإغاثة داخل المخيمات.


     ومن يطلع على معاناة هذه الفئة يتجلى له جانب آخر للمسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتق المترجم، وصَدَقة علمه التي يمكنه أن يقدمها. ففي حين أن الترجمة التطوعية لإثراء المحتوى العربي مهمةٌ سامية، وصدقةُ علمٍ جارية، إلا أن السنوات القليلة الماضية التي شهدت أزمات متعاقبة على الشرق الأوسط وأجبرت الكثيرين على النزوح من أرضهم قد ولدّت حاجة ملحّة إلى الترجمة، لكن لا للإثراء، بل لإغاثة الإنسان.


     وكان من أبرز الجهود في هذا السياق مشروع "ترجملي" الذي يربط بين المترجمين والمنتفعين من الترجمة، سواء اللاجئين أو مقدمي المعونات الإغاثية. وعادة ما تكون المحادثات التي تتطلب الترجمة قانونية تخص اللجوء، أو طبية، أو محادثات يومية داخل المخيم، أو ما يتعلق بالتعليم أو التوظيف أو تقديم المشورة.

وإلى جانب ترجملي، يطرح موقع الأمم المتحدة للتطوع مئات الفرص التي لا تتطلب أكثر من قلبٍ شغوف بالعطاء مع جهاز حاسوب واتصال جيد بالإنترنت، لينطلق بعدها المتطوع إلى ترجمة الوثائق، أو الكتابة والتدقيق، أو تدريس بعض المواد عن بعد لأطفال المناطق النائية أو الفقيرة.


     إن المترجم قادر على خلق التغييرفي حياة الآخرين، ليس بالضرورة تغيير العالم بأكمله، بل يكفي أن تنقذ طفلا واحدًا من غياهب الجهل، أو تساعد أُمًّا في التواصل مع من سيطعم أطفالها، أو تُنجِد أبًا لا يريد سوى علاجٍ لفلذة كبده، كل هذا فقط بما أوتيت من لسان .. وقلم!


١٦٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page